الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن وجد من يتردد فى إدخاله فى زمرة المسلمين، ولو كانوا ضعافا، فإننا لا نتردد فى إخراجه من زمرة المشركين، وإذا كان قد نسب إليه، أنه قال وهو فى سكرات الموت: على ملة عبد المطلب استجابة لأحد الأشياخ من قريش، فإنا لا نحسب أن هذه الكلمة تعارض كل ما كان منه من دفاع عن الإسلام، وتصريحات كثيرة له بأن دعوة محمد عليه الصلاة والسلام صادقة راشدة قالها وهو صحيح معافى. ونختم كلامنا فى هذا بما قاله الحافظ بن كثير فى أبى طالب فقد قال رضى الله عنه:
ونحن نقول فيما استنبطنا، إنه ليس بمشرك قط، لأن المشرك من يعبد الأصنام، ويشركها مع الله تعالي، وأفعاله وأقواله، ومواقفه تدل على أنه يرى عبادة الأصنام أمرا باطلا، ولذلك أميل إلى أن أستغفر له، إن كنت من أهل هذا المقام، وأرى أنه ليس بكافر أصلا، والله سبحانه وتعالى هو العليم بذات الصدور، وما تخفى الأنفس.
خديجة رضي الله عنها
284-
كانت خديجة هى الفقيد الثانية التى أدخل موتها الحزن فى قلب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وكان قطعة من نفسها، وهى التى أذهبت عنه الرعب يوم جاءها يرجف فؤاده من أول لقاء بالوحى الإلهى، وهى التى كانت تأسو جراح قلبه، كلما لقى من قومه صدودا وأذى، وهى التى شاركته فى حمل ضرائه، وكانت لها المنزلة الأولى بين نسائه.
ولمكانتها فى نفسه لم يتزوج فى حياتها غيرها قط معها، ولكن تزوج من بعدها، وعدد الأزواج، وكان الحل لمقاصد، ليس منها الشهوة، بل ليؤلف بينه وبين قبائل العرب وليولى أصحابه المحبة، ويدنيهم منه وليؤدى أزواج من يموتون من أصحابه. أو يقتلون، ويتركون أزواجهم من غير عائل يعولهم ليحقق بالعمل قوله عليه الصلاة والسلام:«من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ضياعا، فإلى، وعلى» .
وإنها لعظم منزلتها من النبى عليه الصلاة والسلام، وفى الاسلام، بشرت ببيت فى الجنة من قصب.
(1) البداية والنهاية 126 ج 3.
روى البخارى بسنده عن أبى هريرة قال: «أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت بإناء، فيه إدام- أو طعام أو شراب- فإذا هى أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب» والقصب المراد به اللؤلؤ.
ولقد كان يذكرها دائما بالخير، يحب من كانت تحبه، ويواد من كانت توده، حتى كان ذكرها الدائم يثير غيرة بعض نسائه، حتى لقد قالت أم المؤمنين عائشة:«ما غرت من امرأة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ما غرت من خديجة، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله تعالى أن يبشرها ببيت فى الجنة من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدى فى خلائلها منها ما يسعهن «1» » .
وكان مع ذكرها يكرم ذكراها، ومن يذكره بها، ولقد استأذنت عليه هالة بنت خويلد أختها، فعرف استئذان خديجة، فارتاح، فقال:«اللهم هالة» .
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: «كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إذ ذكر خديجة أثنى عليها بأحسن الثناء فغرت يوما، فقلت: «ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيرا منها» قال: ما أبدلنى خيرا منها، وقد امنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، واستنى بمالها، إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله ولدها إذ حرمنى أولاد النساء» .
وواضح أن ذلك قبل أن يهب الله تعالى له إبراهيم من مارية القبطية.
وإننا نرى من هذا الكلام كله مكانة أم المؤمنين خديجة فى نفس النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكيف كانت المواسى، إذا ادلهمت الأمور، واشتد البلاء، وكيف كانت المؤنس إذا استوحش من الناس، وكيف كانت الهدأة والسكن إذا ارتاع من هول ما يفعل الناس، فكان حقا عليه الصلاة والسلام أن يسمى عام وفاتها ووفاة عمه الكريم عام الحزن، وقد فقد فيه الحبيبين، الحامى المكافح، والمؤنس المواسى.
وقد مات أبو طالب قبل خديجة على أصح الروايات، وقيل: كانت وفاته قبلها بثلاث ليال. ويذكر بعض الرواة أن وفاتها كانت قبل وفاته بنحو من خمس وثلاثين ليلة وأن الراجح أن وفاته كانت قبل وفاتها، ومهما يكن الأمر فى المقدم والمؤخر، فإن وفاتهما أورثت حزنا شديدا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
(1) البخارى- البداية والنهاية ص 18 ج 3.