الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم فيما روى ابن نعيم قائلا: «الحمد لله الذى خلقني، ولم أك شيئا، اللهم أعنى على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالى والأيام، اللهم اصحبنى فى سفري، واخلفنى فى أهلي، وبارك لى فيما رزقتنى، ولك فأذلني، وعلى صالح خلقى فقومني، وإليك ربى فحببني، وإلى الناس فلا تكلني، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذى أشرقت له السماوات والأرض وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والاخرين أن تحل على غضبك، وتنزل بى سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، لك العتبى عندى خير ما استطعت، ولا حول ولا قوة الا بك» .
ومن قوله عليه الصلاة والسلام حين خرج من مكة المكرمة، ونظر إلى البيت «إنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت» وإخراجهم كان بالأذى ومنع الدعوة.
بهذا الدعاء الضارع ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلته المباركة التى اتت أكلها للإنسانية كلها، لأنها كانت ابتداء عموم الدعوة.
وقد كانت فكرة الهجرة بعد العقبة الثانية وفى عامها، فقد انتهى الحج، وابتدأ التفكير فى الهجرة النبوية، وقد هاجر المؤمنون قبله، وقالوا إن هجرته عليه الصلاة والسلام لم تكن فى المحرم ولا فى صفر، ولكن قد ابتدأت، ولعلها ابتدأت مع ابتدائه، وقد وصلوا إلى المدينة المنورة فى الثانى عشر من ربيع الأول على أصح الروايات، وكانت فى يوم الاثنين.
ولقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: «ولد نبيكم يوم الاثنين، ونبيء يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين» .
فى غار ثور:
325-
كانت الهجرة هى النصر الأول، بل هى أعظم النصر، لأن النصر الذى جاء من بعدها كان ثمرة لها، فهى باب للفتح، ولقد عدها الله سبحانه وتعالى النصر الأول، وذكر محمدا صلى الله عليه وسلم وصاحبه فى غار ثور هذا، إذ قال الله تعالت كلماته: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ، إِذْ هُما فِي الْغارِ، إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «1» .
(1) سورة التوبة: 40.
خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور، وهو على مسافة من مكة المكرمة بأسفله، وسار هو وصاحبه الصديق فجعل أبو بكر يكون أمام النبى صلى الله عليه وسلم مرة، وخلفه مرة، فسأله النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا كنت خلفك خشيت أن تؤتى من أمامك وإذا كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك. ويروى أنه قال إذا كنت أمامك خشيت الطلب، وإذا كنت خلفك خشيت الرصد.
وروى البيهقى عن عمر بن الخطاب قال: «لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة انطلق إلى الغار، ومعه أبو بكر، فجعل يمشى ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أبا بكر مالك تمشى ساعة خلفي، وساعة بين يدي، فقال: يا رسول الله أذكر الطلب، فأمشى خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشى بين يديك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني. قال:
نعم، والذى بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار. قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى أستبريء لك الغار فدخل حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبريء الجحر، فقال: مكانك يا رسول الله حتى أستبريء، فدخل فاستبرأ، ثم قال: انزل يا رسول الله، فنزل، قال عمر: والذى نفسى بيده، لتلك الليلة خير من ال عمر» «1»
مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مطمئنا إلى وعد الله تعالي، راضيا بالمشقة فى سبيل الدعوة، وتبليغ الرسالة، وقد رضى أن يفارق مكة المكرمة، وهى أحب بلاد الله تعالى فى سبيل اقامة الدولة الإسلامية، التى لم يمكنه أهلها من الدعوة، وحاولوا قتله، وكانت هذه المحاولة مع عنادهم، وكفرهم، وجحودهم بالايات سببا فى أن يخرج يريد أرضا لدولة الإسلام فى غيرها.
علم المشركون، أو العتاة منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وأن الذى نام مكانه علي، وأنهم ترصدوا عليا، وهم يحسبون أنهم يترصدون النبى عليه الصلاة والسلام ليقتلوه، حاولوا أن يعرفوا من على أين ذهب النبى صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا عنده ما يطلبون، فأخذوا يتقصون أثره، ويتأثرون خطاه ليعرفوا أين يكون، وأطلقوا فى الأسواق والأماكن من يأتى به حيا أو ميتا وقد اقتفوا أثره، وتتبعوه، حتى وصل بهم الأمر إلى جبل ثور الذى بغاره الصاحبان، ولكن اية الله تعالى أن جعلت العنكبوت ينسج نسيجه، وكأنه من سنين، وأن حمامتين عششتا على بابه، فكانت اية حسية من خوارق العادات، ولكن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتحدث لإثبات نبوته إلا بالقران الكريم، لأنه المعجزه الكبرى الباقية إلى يوم الدين. وهو حجة على الخليقة فى كل الأجيال، ولكل الأجناس.
جاء رجال قريش يطلبون النبى صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى بهم الأثر الى الغار، ولكنهم، وجدوا ما وجدوا وقالوا إذ رأوا نسج العنكبوت: لم يدخل أحد. وهم لو ألقوا بأنظارهم إلى داخله لرأوا الرسول وصاحبه، ولكن
(1) البداية والنهاية لابن كثير ج 4 ص 180.