الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن العقل انبثقت الروح التى هى واحدة الأرواح، وعن هذا الثالوث يصدر كل شيء، ومنه يكون التدبير والخلق.
ويلاحظ أمران:
أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين
، وصارا يضربان على نغمة واحدة هى نغمة ذلك التثليث، وهو ما اشتملت عليه النصرانية التى حالت إليها المسيحية التى تزعمها من تركوا ما دعا إليه المسيح عليه السلام.
وبها تلتقى الفلسفة مع ذلك الدين، وتلتقى الوثنية التى تتعدد فيها الالهة وتكوّن منهما تلفيق متناسق أو غير متناسق، من غير نظر إلى كون هذا الامتزاج مزيجا قد اختفت فيه ظواهر العناصر الممتزجة فى مزاج واحد، أم لم تختف.
الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية
، اعتنق الديانة المسيحية الأولى التى جاء بها أتباع المسيح عليه السلام فيما نظن، ثم ارتد عنها إلى وثنية اليونان الأقدمين.
وجاء من بعده أفلوطين المتوفى سنة 270 م. وقد تعلم فى مدرسة الإسكندرية أولا، ثم رحل إلى فارس والهند، وهناك استقى ينابيع الصوفية الهندية واطلع على اراء بوذا ومذهبه، وبراهمة الهند وديانتهم، وعرف اراء البوذيين فى بوذا، وقد رفعوه إلى مرتبة الإله، والبراهمة فى كرشنة، وقد رفعوه أيضا إلى مرتبة الإله، وقد عاد من بعد هذه الرحلة التى تزود منها بالزاد البرهمى والبوذى إلى الإسكندرية التى كانت مهد مدرسته المثلاثة على النحو الذى بيناه.
19-
فى هذه الموجة الفكرية كان يعيش العالم فى القرن الثالث من مولد المسيح عليه السلام، وقد استمر ذلك الاضطراب الفكرى أمدا بعده، حتى جاء القرن السادس، وقد زادت المنازع وتخالفت المناهج، وانحل الفكر انحلالا شديدا فيما يتعلق بالاعتقاد.
وانشقت النصرانية التى انحرفت عن تعاليم المسيح عيسى بن مريم على نفسها، فكان منها الملكانية وكان منها اليعقوبية، واشتد الخلاف بينهما، حتى انتقل الخلاف إلى عداوة فكرية ثم إلى عداوة تشبه العداوة الجنسية، وأغرى الله تعالى بينهم بالعداوة والبغضاء، وتفرقت النفوس والأفكار، وضعف الاعتقاد، وانحل الإيمان، فإنه كلما انتقلت العقائد إلى أن تكون موضع مجادلات تضعف، ويعرض لها الشك، وينتهى اليقين، وكذلك كان الأمر فى الأرض التى كانت تعتنق النصرانية فى القرن السادس، فى البلاد التى كانت تجاور الجزيرة العربية وفى الجزيرة نفسها.
20-
فالمسيحية إبان القرن السادس الميلادى قد ضعف الإيمان بها، لكثرة الجدل فيها، ولم تكن قد استقرت الأفكار حولها، واقتصرت على اتجاه معين من اتجاهاتها.
فابتدأت أولا باضطهاد الوثنية لها، وتجسس اليهود على النصاري، واختفى المسيحيون فى أكنان من أرض الروم وفلسطين مستسرين بعقائدهم. وكلما ظهر فريق منهم قوبل بالاضطهاد، والأذى المرير، وتبارى فى ذلك ملوك الرومان، وقد جعلوا عمل أمرائهم الذين يرسلونهم هو ذلك الأذى ليئدوا ذلك الدين الجديد فى مهده، ويقبروه فى حجر ولادته.
وقد تكاثرت المصادر الدالة على ذلك الاضطهاد، وقد جاء فى كتاب (تاريخ الحضارة) ما نصه «قد كتب بلين وكان واليا فى اسيا إلى الإمبراطور تراجان كتابا يدل على الطريقة التى كان يعامل بها المسيحيين قال:«جريت مع من اتهموا بأنهم نصارى على الطريقة الاتية، وهو أنى أسألهم إذا كانوا مسيحيين، فإذا أقروا أعيد عليهم السؤال ثانية وثالثة مهددا بالقتل، فإن أصروا أنفذ فيهم عقوبة الإعدام مقتنعا بأن غلطهم الشنيع، وعنادهم الشديد يستحقون بهما هذه العقوبة، وقد وجهت التهم إلى الكثيرين بكتب لم تذيل بأسماء من كتبوها، فأنكر المتهمون أنهم نصاري، وكرروا الصلاة على الأديان الذين ذكرت أسماءهم أمامهم، وقدموا الخمور والبخور لتمثال أتيت به عمدا مع تماثيل الأديان، بل إنهم شتموا المسيح، ويقال إنه من الصعب إكراه النصرانى الحقيقى على شتم المسيح، ومنهم من اعترفوا بأنهم نصاري، وكانوا يقرون بأنهم يجتمعون فى بعض الأيام قبل طلوع الشمس على العبادة، وعلى إنشاد الأناشيد إكراما للمسيح، وتعاهدوا بينهم لا على ارتكاب جرم بل على ألا يسرقوا ولا يقتلوا ولا يزنوا وأن يوفوا بعهداهم، ورأيت من الضرورى أن أعذب امرأتين ذكرتا أنهما خادمتا الكنيسة، بيد أنى لم أقف على شيء سوى خرافة سخيفة» .
وقد كثر الاضطهاد، وكان نيرون يجعل من النصارى مشاعل تسير فى موكبه، إذ يطليهم بالقار، ويشعل فيهم النار. وتسير تلك الشعلة فى احتفاله بنفسه.
وأوقع دقلديانوس بنصارى مصر أشد الاضطهاد، وأنزل بهم العذاب، وقتل فى مصر المسيحية التقتيل الذربع الماحق، حتى أنه اعتبر تاريخ ذلك العذاب هو ابتداء التاريخ القبطى.
21-
وبعد زوال الاضطهاد ظهرت الخلافات على أشدها، فكانت بقايا الواحدانية تظهر على لسان أريوس، ومعه أكثر كنائس الشرق، وأكثر الكنائس فى فلسطين، وكثير من كنائس مصر.
ولما أراد قسطنطين أن يدخل فى النصرانية جمع مجمع نيقية سنة 325 م وأعلن ثمانية عشر وثلاثمائة من المجتمعين ألوهية المسيح، فأخذ بقولهم مع أن المجتمعين ابتداء فى المجمع كانوا يبلغون 2048 أو يزيدون، ولكن أراد أن تتغير المسيحية إلى ما يقرب من الفلسفة والوثنية على أن يبقى اسم المسيحية وإن خلت من لبها، وهى الواحدانية التى تحارب الوثنية.