الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها- أن المنافسة وحب السيطرة بالشرف، هى التى أضلت قريشا وحيث لا تكون منافسة يكون التدبر والتفكير.
ومنها تنبؤ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بما يكون بإذن الله تعالى وعلمه.
ما بين الروم والفرس:
306-
ولمناسبة ما تنبأ به النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من هزيمة الفرس فى جوار البلاد العربية، ووقوع الأمر كالنبأ نذكر تنبؤ القران الكريم المنزل من رب العالمين من غلبة الفرس للروم، وأن الفرس سيغلبون من بعد فى قول الله تعالى:«الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ «1» .
ولقد ذكر علماء السيرة والمؤرخون أن كسرى قاد الفرس إلى قتال الروم، فانتصروا عليهم، وهم من عبدة النار؛ فهم كعبدة الأوثان، ويصدران عن ضلال واحد، فكان المشركون يعتزون بهذا النصر، أنهم لا محالة سينتصرون على المسلمين، لأنهم أميون، وليسوا أهل كتاب، والمسلمون أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، فكانت المفاخرة ممن يقاربونهم، ويستطيلون بهم للإيهام بأنهم سينتصرون على المسلمين، فنزل قول الله تعالي الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ إلى اخر الايات الكريمات.
وقد قال بعض المشركين إن الروم لن يغلبوا، وقال له أبو بكر الصديق: سيغلبون فى بضع سنين فتراهنا على عدد من الإبل، فى تسع سنين، إن انتصر الروم فيها خسر الشرك الرهان، وإن لم ينصر الروم فيها كان أبو بكر عليه أن يدفع ما تراهنا عليه.
وقد انتصر الروم فى هذه المدة، فكان الرهان لأبى بكر، ويظهر أن ذلك النصر كان بعد أن هاجر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة.
والحافظ ابن كثير يذكر فى هذه ذلك الخبر، فيقول:
«المشهور أن كسرى غزاه (أى هرقل) بنفسه فى بلاده، فنهره، وكسره، حتى لم يبق معه (أى هرقل) إلا مدينة القسطنطينية، فحاصرها كسرى مدة طويلة، حتى ضاقت عليه.. ولم يقدر على فتح البلد. لحصانتها، لأن نصفها من ناحية البر ونصفها الاخر من ناحية البحر، فكانت تأتيهم (أى
(1) سورة الروم: 1- 5.
الروم) الميرة من هناك، فلما طال الأمر، دبر قيصر مكيدة فطلب من كسرى أن يقلع من بلاده، على مال يصالحه عليه، وبشترط ما شاء فأجابه إلى ذلك وطلب منه أموالا عظيمة لا يقدر عليها أحد من ملوك الدنيا، من ذهب، وجواهر، وأقمشة، وجوار؛ وخدام، وأصناف كثيرة، فطاوعه قيصر، وأوهمه أن عنده جميع ما طلبه! وسأل كسرى أن يمكنه من الخروج إلى بلاد الشام، وأقاليم مملكته، ليسعى فى تحصيل ذلك من ذخائره وحواصله.
فخرج من القسطنطينية فى جيش متوسط
…
وكسرى مخيم على القسطنطينية ينتظره ليرجع، فذهب قيصر من فوره وسار مسرعا، حتى انتهى إلى بلاد فارس فعاث فيها فسادا وقتلا فى رجالها، ومن كان بها من المقاتلة، وقد كان أكثرهم مع كسرى
…
ولم يزل يقتل، حتى انتهى إلى المدائن، وفيها كرسى مملكة كسرى، فقتل من بها، وأخذ جميع حواصله وأمواله، وأسر نساءه، وحلق رأس ولده، وأركبه على حمار، وبعث الأساورة من قومه فى غاية الهوان والذلة، وكتب إلى كسرى يقول: هذا ما طلبت فخذه....
أصاب العمى كسرى، واشتد حنقه على البلد (القسطنطينية) فجد فى حصارهم فلم يقدر على شيء.
عاد كسرى إلى بلده بعد أن حزب بمكيدة قيصر مكيدة بعد مكيدة، وبذلك غلب الفرس فى أدنى الأرض كما غلبوا الروم من قبل، ولله الأمر من قبل ومن بعد «1» .
وقد ذكر ذلك الخبر فى هذا المقام، لأن ذكره امتداد لما انتصر به بنو شيبان على كسرى، كما تنبأ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولسنا مقحمين له فى غير موضعه، لأن وقائعه كانت قبل الهجرة، وامتدت إلى ما بعدها، ولأنه إيذان بنصر الإسلام فى فارس من بعد.
ولنعد بعد ذلك إلى التقاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالقبائل، وما كان قبل الهجرة من تمهيد لها.
(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 424، و 425.