الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن هذا الخبر فى ذاته يدل على قدرة تدبير للأمور، وتعرف لأقرب الطرق للوصول إلى الهدف، ويدل على رفق بمن معه، والابتعاد عن المسابقات غير المثمرة إلا التعب، وعلى كمال الرفق بمن فى صحبته، كما يدل على شجاعة نادرة، وقوة احتمال كاملة.
ولقد كان شجاعا فى أقصى درجات الشجاعة عندما قبل أن يكون الحكم بين قبائل العرب فى وضع الحجر الأسود، فقد تقدم وهو يعلم أن الحاكم لا يرضى كل من يحكمونه، ولكنه بتوفيق الله تعالى أرضاهم جميعا.
وهكذا كان محمد عليه الصلاة والسلام شجاعا قبل البعثة يقول الحق ولا يخشى لومة لائم، ويجاهر به غير مستهين بمن يقاومه، بل راض بأن ينطق بالحق، وحسبه ذلك وكفى.
بعد البعثة
164-
بعد أن بعثه الله تعالى بدت شجاعته كاملة، والبعثة من أول أدوارها، وفى أثنائها، وفى نهايتها تحتاج إلى شجاعة، وعندما التقى عليه الصلاة والسلام بورقة بن نوفل ابن عم خديجة، قال له:«ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا عودى» . ولقاء أعداء الفكرة يحتاج إلى شجاعة وثبات جأش، وقوة احتمال، «والله أعلم حيث يجعل رسالته» فما يختار رسولا خوارا، ولا رسولا ضجرا، ولا رسولا يعتريه اليأس فى أول الصدمة، بل يستمر مصابرا مستعدا للصدمات، واحدة بعد أخري، وأحيانا تجيء متكاثفة غير متفرقة، بل مجتمعة صلبة غير متكسرة، فكان لا يتلقاها إلا شجاع النفس ذو العزمة الصادقة فى هدأة المؤمن المطمئن القلب.
لقد كان أبو جهل يرعد ويبرق، ويعمل فى إيذاء مستمر، عسى أن يجبن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه عن دعوة الحق المستمرة غير الوانية، بل كلما اشتدت وسائل الإيذاء وتعددت وتجمعت، ازداد عليه الصلاة والسلام عملا، ما هاب وما مل، بل كان يصدع بالحق فى اطمئنان وشجاعة.
ولقد كان من أعدائه ذو البطش الشديد فما هابه ولا خافه، وإن رفق إليه فى القول، فذلك شأنه والواجب عليه، ليقرب من القلوب ولكى لا يكون فظا غليظ القلب، فبنفض الناس من حوله.
وعندما أقبل على المسلمين عمر بن الخطاب وكان جبارا مرهوبا فى دار الأرقم بن أبى الأرقم، وهو لا يزال على الشرك فزع المسلمون إلا رجلين- أحدهما- حمل سيفه ليقتله به إن أراد شرا وهو أسد الله تعالى وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ومحمد بن عبد الله رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم فما فزع، بل رجا، وما اضطرب بل اطمأن، فقال: أدخلوه، فدخل والنبى الأمين ثابت مطمئن هاديء هدوء المؤمن الشجاع، فلبب عمر بقوة، حتى استكان ثم دعاه إلى الإسلام، فأسلم.
ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان شجاعا يستمر فى دعوته، وهو يعلم أن الملأ يأتمرون به ليقتلوه. فما وهن لائتمارهم وللأذى ينزل به، وبضعفاء صحابته.
وكان الشجاع الثبت، وهو مهاجر، وقد اوى إلى غار ثور، والقوم قد أحاطوا به حاملين سيوفهم، بل كان الشجاع، وهو يقول لصاحبه الخائف على النبى صلى الله عليه وسلم لما عساه يصيبه:«لا تحزن إن الله معنا» .
وعندما لاقى اليهود فى يثرب، وهو يعلم مكايد اليهود وإيذاءهم، ومكرهم الخبيث الذى لا يمتنعون فيه عن الغدر، وقد هموا به، وأرادوا قتله غيلة برمى حجر عليه من عل، وبدس السم فى طعامه، وما جبن، ولا سكت عن الدعوة، بل استمر يدعوهم إلى الحق وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.
وإن الشجاعة المعنوية بين المنافقين كانت سياسته، فهو يصدع بالحق بينهم، كما صدع به بين أصحابه، فهو فى معاملة المنافقين يسوسهم يريد عمر أن يقتل عبد الله بن أبي، فيمنعه فى قوة غير ابه لاعتراضه ومكانة عمر فى أهل الإيمان، ويقول له مرشدا، «لا أقتلهم حتى لا يتحدث العرب أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه» . وكان أبعد نظرا من عمر، لأنه بعد ذلك برم أهل كل منافق به واستأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام فى قتل من فيهم من أهل النفاق، حتى طلب ابن عبد الله بن أبى من النبى عليه الصلاة والسلام أن يأذن له بقتله، فلم يأذن، وقال:«أين عمر، لو قتلتهم يوم طلب عمر أن أقتلهم، لأرعدت لهم أنوف تريد إليوم قتلهم» .
وكان عليه الصلاة والسلام شجاعا كريما، عندما قبل أن يكتب صلح الحديبية كما أملى المشركون، وقد اشتد الأمر على المؤمنين، لما قالوا من يخرج من المشركين مسلما بغير رضا وليه ردوه، ومن خرج من عند محمد صلى الله عليه وسلم مرتدا إلى مكة المكرمة لا يردوه، وغضب عمر وكثرة من المؤمنين، وقال قائلهم: لماذا نقبل الدنية فى ديننا، واشتد غضبهم عندما جاء أحد المسلمين من قريش مكبلا بالحديد فرده.
كان شجاعا وهو يعلم أنهم على خطا المخلصين، وردهم، ثم تبين بعد ذلك ما كان عليه النبى عليه الصلاة والسلام من حكمة، عندما طلبوا هم عدم التمسك بهذا الشرط، وإلغاءه، لأنه لم يرتد أحد