المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

166- هذه شجاعته عليه الصلاة والسلام فى الجهاد بالسيف، وقد - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌‌‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله:

- ‌يا رسول الله يا خير البشر:

- ‌ربى العظيم:

- ‌[تمهيد]

- ‌الاضطراب الفكرى:

- ‌المجوسية:

- ‌المانوية:

- ‌المزدكية:

- ‌البراهمة:

- ‌[طبقات الناس في عقيدة البراهمة في المجتمع الهندي]

- ‌الطبقة الأولي: هى أعلاها وهى طبقة البراهمة

- ‌الطبقة الثانية: طبقة الجند

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الزراع والتجار

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌هل للبرهمية أصل سماوى:

- ‌[الأدلة على سماوية الأصل البرهمي]

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌ كتبهم

- ‌الأمر الثالث:

- ‌البوذية:

- ‌[مبادىء بوذا الخلقية]

- ‌[أقسام البوذيين]

- ‌(أحدهما) البوذيون الذين أخذوا أنفسهم بالتعاليم السابقة

- ‌(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق

- ‌الكونفوشيوسية:

- ‌عقيدة الصين القديمة:

- ‌وثنية اليونان والرومان:

- ‌مزج الفلسفة بالدين:

- ‌التثليث فى الفلسفة:

- ‌ويلاحظ أمران:

- ‌أولهما- أنه التقت الأفلاطونية الحديثة مع الدين

- ‌الأمر الثانى- أن شيخ هذه المدرسة هو أمنيوس المتوفى سنة 242 ميلادية

- ‌وبذلك نقول مقررين أمرين:

- ‌أولهما

- ‌ثانيهما

- ‌العرب

- ‌دخول الوثنية أرض العرب:

- ‌لم ينسوا الله فى وثنيتهم:

- ‌القلوب فارغة من إيمان:

- ‌أرض النبوة الأولي

- ‌إدريس عربى:

- ‌نوح عربى:

- ‌هود نبى الله كان عربيا:

- ‌صالح عربى:

- ‌إبراهيم أبو العرب المستعربة وإسماعيل:

- ‌بناء الكعبة:

- ‌شعيب ومدين:

- ‌موسى كلف الرسالة فى أرض العرب:

- ‌أرض العرب مأوى الفارين بدينهم:

- ‌النصرانية:

- ‌رجل صالح:

- ‌أصحاب الأخدود:

- ‌اختصاص الجزيرة العربية

- ‌[أسئلة]

- ‌[الجواب]

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[عناصر تبوئ العرب الصدارة في الدعوة إلى الحق]

- ‌العنصر الأول: قوة فى النفس تقاوم، ولا تستسلم

- ‌العنصر الثانى: صفاء نفسى وقوة مدارك

- ‌العنصر الثالث: الأنفة وألا يطيعوا فى ذلة

- ‌الله أعلم حيث يجعل رسالته

- ‌مكة المكرمة

- ‌أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:

- ‌مكة المكرمة موطن تقديس لأجل الكعبة المشرفة:

- ‌‌‌المكانوالزمان

- ‌المكان

- ‌الزمان:

- ‌البشارات

- ‌ويستفاد من هذا الكلام أمران:

- ‌أولهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌محمد فى التوراة:

- ‌محمد فى الإنجيل:

- ‌على فترة من الرسل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌محمد من أوسط قريش نسبا

- ‌النسب الطاهر

- ‌ قصى

- ‌ عبد المطلب

- ‌[صفات عبد المطلب]

- ‌الأولى- الطيبة والسماحة

- ‌الثانية- أنه كان مباركا

- ‌الثالثة- عزيمته، وإصراره على ما يقوم به من خير

- ‌عبد الله

- ‌الأم

- ‌صفات سامية فى امنة:

- ‌الجنين المبارك

- ‌أصحاب الفيل

- ‌ولد الهدى

- ‌ولادته قبل وفاة أبيه:

- ‌ظواهر تعلن مكانته

- ‌تاريخ مولده:

- ‌إرهاصات النبوة يوم مولده:

- ‌إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌اخبار شق الصدر

- ‌سفر أمه به إلى يثرب:

- ‌موت الطهور امنة:

- ‌فى حضن عبد المطلب

- ‌فى كنف أبى طالب

- ‌إلى العمل

- ‌حماية الله تعالى

- ‌إلى التجارة

- ‌سفره مع عمه

- ‌ارهاص وبشارة بالنبوة:

- ‌محمد التاجر:

- ‌مشاركته فى الأمور الجامعة

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌الزواج

- ‌خديجة:

- ‌ارهاصات الرحلة

- ‌الإملاك:

- ‌أغناه الله وواساه

- ‌إعادة بناء الكعبة

- ‌بناء قريش

- ‌الحمس:

- ‌التكامل الإنسانى فى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌1- وفور عقله

- ‌2- بلاغته

- ‌3- الخلق الكامل

- ‌[أ] الرفق

- ‌[ب] العفو:

- ‌[ج] اخلاقه خارقة للعادة:

- ‌هيبة:

- ‌العفو والتسامح:

- ‌حياؤه:

- ‌جوده عليه الصلاة والسلام:

- ‌الشفقة والرأفة والرحمة:

- ‌صدقه وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:

- ‌الوفاء ورعاية العهد:

- ‌العابد

- ‌عبادته قبل البعثة:

- ‌عبادته بعد البعثة:

- ‌الزاهد

- ‌زهده قبل البعثة:

- ‌زهده بعد البعثة:

- ‌قوت الزاهد:

- ‌الصابر المصابر

- ‌[أقسام الصبر]

- ‌أولها- الصبر على النوازل

- ‌القسم الثانى: الصبر على الحرمان من الأهواء والشهوات وقمعها

- ‌القسم الثالث: الصبر على ما ينزل من نوازل

- ‌العادل

- ‌ بعد البعثة

- ‌الشجاع

- ‌بعد البعثة

- ‌شجاعة النبى عليه الصلاة والسلام فى ميدان القتال:

- ‌الرجل

- ‌ أمور:

- ‌أولها: جمال تكوينه الجسمانى

- ‌الأمر الثانى- أن قلبه الطاهر كان يشع على وجهه بالنور

- ‌الأمر الثالث- شدة جاذبيته صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ خاتم النبوة

- ‌تقدمة صفات النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌البشارات بالنبى المنتظر

- ‌ما كان يروج بين العرب من اخبار نبي يرسل

- ‌علم النبوة عند سلمان الفارسى قبل أن يلقاه:

- ‌يهود تخبر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] المنتظر:

- ‌أخبار الكهان:

- ‌هل كان محمد عليه الصلاة والسلام يسمع اخبار الأحبار والرهبان والكهان

- ‌البعثة المحمدية

- ‌التجلى الأعظم

- ‌[التزام النبي ص بأمرين قبل أن يبعث]

- ‌أولهما

- ‌الأمر الثانى

- ‌التقى بالروح القدس:

- ‌قلق الزوجة الصالحة:

- ‌إلى ورقة بن نوفل:

- ‌فترة غياب روح القدس:

- ‌مدة الفترة:

- ‌الشهر الذى نزل فيه الوحى:

- ‌أول ما نزل من القران الكريم:

- ‌مراتب الوحى وشكله:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌والمرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌المرتبة السادسة:

- ‌ المرتبة السابعة

- ‌دعوة الحق

- ‌مراتب الدعوة:

- ‌الأولى النبوة:

- ‌المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين

- ‌والمرتبة الثالثة: إنذار قومه

- ‌المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله

- ‌والمرتبة الخامسة: تبليغ الدعوة إلى غير العرب

- ‌أول من أسلم

- ‌الإسلام فى بيت النبوة:

- ‌إسلام على:

- ‌أول أسرة فى الإسلام:

- ‌النور يشرق من بيت النبوة

- ‌إسلام أبى بكر:

- ‌تتابع المخلصين:

- ‌فرضية الصلاة

- ‌وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

- ‌بين أبى طالب وأبى لهب:

- ‌فاصدع بما تؤمر

- ‌[أقسام القلوب]

- ‌القسم الأول: القريب إلى الهداية

- ‌القسم الثانى: قوم امتلأت عقولهم بمعلومات سابقة

- ‌والقسم الثالث قسم غلبت عليه الضلالة

- ‌استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لأمر ربه

- ‌السابقون السابقون

- ‌الاسلام يخرج إلى القبائل:

- ‌المناوأة

- ‌تلقى الناس للدعوة

- ‌الذين استجابوا لله والرسول

- ‌إسلام حمزة

- ‌اسلام عمر

- ‌بين عهدين

- ‌محاولة كفه عنهم بالاستمالة

- ‌لقاء أهل مكة المكرمة به لاستمالته:

- ‌جدلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستعانة باهل الكتاب

- ‌إسماعهم القران الكريم

- ‌الايذاء والفتنة

- ‌ايذاء الضعفاء:

- ‌بلال رضى الله عنه واخوانه:

- ‌ال ياسر رضى الله عنهم وغيرهم:

- ‌التهديد بالتشنيع:

- ‌مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌الاذى ينزل بشخص النبى عليه الصلاة والسلام:

- ‌مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:

- ‌لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌متابعة الأولياء ومتابعة الأعداء:

- ‌خديعة:

- ‌النبي صلي الله عليه وسلم يناضل ويصابر فى مكة المكرمة

- ‌لقاؤهم بأبى طالب:

- ‌المقاطعة

- ‌الأرضة تمنع اسم الله تعالى من مواثيقهم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر فى دعوته

- ‌سعى فى نقض الصحيفة

- ‌نقض الصحيفة فعلا

- ‌انطلاق الدعوة الاسلامية:

- ‌عام الحزن

- ‌أبو طالب، وإيمانه

- ‌خديجة رضي الله عنها

- ‌ما كان بعد موت أبى طالب

- ‌حماية الله تعالي

- ‌المهابة مع المحبة

- ‌محمد عليه الصلاة والسلام فى الطائف

- ‌عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌دعاء، وعفو، وإجارة:

- ‌سماع الجن له:

- ‌فى جوار المطعم بن عدى

- ‌انشقاق القمر

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء بالجسم:

- ‌المعراج بالروح

- ‌الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

- ‌انتشار الاسلام في البلاد العربية

- ‌وفد نصارى نجران:

- ‌عرض الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل

- ‌جماعات تقبل الواحدانية:

- ‌ما بين الروم والفرس:

- ‌التقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

- ‌ابتداء الاتصال بأهل يثرب:

- ‌يوم بعاث:

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى أو البيعة الأولى

- ‌مصعب بن عمير:

- ‌أول جمعة أقيمت بالمدينة المنورة:

- ‌العقبة الثانية

- ‌البيعة:

- ‌علم قريش بالبيعة:

- ‌ابتداء الهجرة

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على الهجرة:

- ‌الإذن للمؤمنين بالهجرة

- ‌هجرة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ما اقترن بالهجرة المحمدية:

- ‌تنفيذ المؤامرة:

- ‌اجتمع المشركون فى العتمة:

- ‌النبى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

- ‌فى غار ثور:

- ‌سراقة والسير إلى المدينة المنورة:

- ‌الركب يسير فى طريق وعر:

- ‌أم معبد:

- ‌خوارق أخرى:

- ‌وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى قباء

- ‌دخول المدينة

- ‌خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌الخطبة التى رواها ابن جرير:

- ‌بناء مسجده عليه الصلاة والسلام

الفصل: 166- هذه شجاعته عليه الصلاة والسلام فى الجهاد بالسيف، وقد

166-

هذه شجاعته عليه الصلاة والسلام فى الجهاد بالسيف، وقد ذكرنا شجاعته المعنوية فى السلم، وكيف كان لا يخشى فى الحق لومة لائم، ولا يلاحظ فى أفعاله البيئة وتقاليدها، ولو كانت مستنكرة، ولو كان منشأ هذه التقاليد أنهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، بل ما يكون معروفا يعرفه، وما يكون نكرا ينكره، وهو فى ذلك قبل البعثة وبعدها على حال واحدة، ولا يهاب الرجال، بل يهاب الله تعالى واحده، ويرفق بالرجال ما كان الرفق سبيلا للهداية، فهو الهادى المرشد الداعى إلى الحق فى كل أحواله.

وهو يستجيب لداعى النجدة. حيث تكون الاستجابة واجبة، والنجدة لازمة، وحيث يكون ملهوف يغاث، لقد فزع أهل المدينة وتصايحوا لمخوف ألم، فانطلق ناس قبل الصوت، يتعرفون مكان الاستغاثة، وكل يعتقد أنه الذى سبق، ولكنهم وجدوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد سبقهم إلى الصوت، ولقوه قافلا وقد سبقهم، وقد سارع إلى الصوت على فرس لأبى طلحة ركبه النبى صلى الله عليه وسلم الشجاع القوى الأمين، والفرس عار، لا سرج عليه، وقد سبق عليه الصلاة والسلام والسيف فى عنقه، وقال لهم، وهو راجع: لن تراعوا» .

وهكذا كانت شجاعة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كاملة فى كل ضروب الشجاعة.

وإذا كان الحق يتكلم، ولا يجمجم، وفى الميدان يتقدم كل الصفوف، ولا يحجم، وفى النجدة هو السباق إلى مواطن الإغاثة فهو فى كل أحواله الشجاع، ولكن فى غير خيلاء، ولا مفاخرة، ولا استعلاء، بل هو فى هذه الداعى إلى الحق، وإلى صراط مستقيم.

وقد روى عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: «فضلت الناس بشدة البطش» والمراد البطش بالظالم، وأخذه بالقوة بعد ألا تجدى الموعظة، ويخرج من طور الجاحد، المجرد إلى طور المعتدى الأثيم، الذى يحاول أن يفتن الناس فى دينهم والفتنة أشد من القتل.

‌الرجل

167-

إن سمات الرجال الخلقية والعقلية ينبيء عنها أو توميء إليها صفاتهم الجسمية، فأولئك الشواذ فى تكوينهم النفسى أو العقلى يبدو شذوذهم فى أجسامهم بضمور واضح مثلا فى عضلات الوجوه، أو اعوجاج فى بعض أجزاء جسومهم، واضطراب فى عيونهم، أو انحراف فى بعض الملامح، وإن ذلك يتضح كاملا، لأهل العلم بالأعصاب، والنفوس، والمتتبعين للمرضى من الشواذ.

وإن اعتدال الجسم، وتناسب أجزائه يدل فى الجملة على استقامة العقول والنفوس، وإن المزاج النفسى يصحبه غالبا مزاج جسمى كامل، متناسق فى تركيبه الظاهر والداخل. فالعناصر المؤثره كلها متناسقة منسجمة انسجاما لا شذوذ فيه، ويكون معه انسجام نفسى كامل، وعقل كامل وخلق كامل.

ص: 234

ولقد وصف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم النبيين فى حديث المعراج بما يدل على كمالهم الجسمى. وهو كمال فيه جمال. لا يكون ما يسوغ النفرة منهم أبدا. فقد روى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى. فقال: «أما إبراهيم فلم أر رجلا قط أشبه بصاحبكم. ولا صاحبكم أشبه به منه. وأما موسى فرجل ادم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة «1» . وأما عيسى ابن مريم فرجل أحمر بين القصير والطويل سبط الشعر. كثير خيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس. تخال رأسه يقطر ماء. وليس به ماء، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود» .

وإن هذه الأوصاف لأولئك الأنبياء الثلاثة، وهم من أولى العزم من الرسل، تدل على كمال التناسق الجسمى فيهم مع اختلاف فى الأوصاف الجزئية. واتفاقهم فى أصل التنسيق، وقد روى الدارقطنى من حديث أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن النبى عليه الصلاة والسلام قال:«ما بعث الله تعالى نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت. وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا» (صلى الله تعالى عليه وسلم) .

لم يكن بدعا من الأنبياء أن يكون كل ما عليه محمد، صلى الله تعالى عليه وسلم من الخلق والتكوين مسترعيا للأنظار، هو جميل فى جسمه، كما هو جميل فى خلقه، وإنه عندما تحدى قريشا بالقران الكريم، وعاب الهتهم، وبين بطلان عبادتها، ورأوا أبا طالب عمه فكلموه. وهو يحميه دونهم.

أتوا بفتى نهد هو أجمل قريش فى زعمهم، ليكون ولدا لأبى طالب، ويسلم لهم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ليقتلوه، فرفض تلك المساومة على ابن أخيه، وقال فى تهكم لاذع «تعطونى ولدكم أغذوه لكم، وأعطيكم ولدى تقتلونه» وهذا الخبر يدل على أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الكمال الجسمى، إذ سواه الله تعالى فأحسن خلقه.

ولا شك أن ذلك التناسق الجسمى له أثره فى الدعوة، والاستجابة لها إذ كان مصحوبا بإشراق روحي، وإنه مما يروى فى ذلك أنه بعد أن تجاوبت الدعوة المحمدية فى الأصداء، وعرفت فى أرجاء الجزيرة العربية، وشاع خبر المكاذبين وهم الكثرة، كالشأن فى كل دعوة جديدة تجيء على لسان رجل يأتيهم بجديد لم يألفوه، فى هذه الأثناء قابل أعرابى محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فراعه منظره، وإشراق وجهه، وتلألؤ النور فى جبينه، فسأله: من أنت؟ فقال: محمد بن عبد الله- صلى الله عليه

(1) الضرب الخفيف اللحم، والجعد المنكسر الشعر، والأقنى المرتفع قصبة الأنف، وشنوءة من الأزد، والادم ذو الحمرة المشرب بسمرة.

ص: 235

وسلم- فقال الرجل فى إيمان مدرك: أأنت الذى تقول عنه قريش إنه كذاب!! فقال الرسول الكريم:

نعم. فقال الرجل: ليس هذا بوجه كذاب، ما الذى تدعو إليه؟ فذكر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حقيقة الإسلام، فأعلن الأعرابى إيمانه.

ولقد أكثر الواصفون لتكوين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وجاء من طرق أنه كان فيه جمال يتلألأ وجهه إشراقا، ونختار من هذه الروايات وصفين جامعين: أحدهما وصف هند بن خديجة رضى الله تعالى عنه، وكان رجلا وصافا فيه دقة ملاحظة، وإدراك للصفات- وثانيهما- لأم معبد، ولنختر هذين الخبرين ففيهما الغناء.

168-

حديث هند بن أبى هالة ربيب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رواه الحسن بن على رضى الله عنهما، فقد قال الحسن أول سيدى شباب أهل الجنة:

سألت خالى هند بن أبى هالة عن حلية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان وصافا، وأنا أرجو أن يصف لى شيئا منه أتعلق به، فقال:«كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر «1» أطول من الربوع «2» وأقصر من الشذب «3» ، عظيم الهامة، رجل «4» الشعر، إن انفرقت عقيقة «5» فرق، وإلا لا يجاوز شعره شحمة أذنه، ذا وفرة. أزهر «6» اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ فى غير قرن بينهما عرق يدره الغضب، أقنى «7» العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع «8» الفم أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية فى صفاء الفضة معتدل الخلق باديا متماسكا، سواء البطن والصدر، فسيح الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس أبذر المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط، عارى الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة شسن الكفين «9» والقدمين، سائل الأطراف سبط العضب خمصان «10»

(1) وخيلان جمع خال، وهو شام الوجه الذى يعطيه حسنا، فى الماء السائل.

(2)

أى أنه ربعة من الرجال أقرب إلى الطويل منه إلى القصير.

(3)

الشذب البائن الطول.

(4)

الشعر الرجل المرسل كأنه مشط.

(5)

العقيقة شعر الرأس.

(6)

الأزهر النير.

(7)

الأقنى السائل الأنف.

(8)

الضليع الواسع والمشنب رواق الأسنان، والمسربة، خيط الشعر بين الصدر والسرة، وسواء معناه سوى.

(9)

شسن الكفين والقدمين، أى أنهما ذواتا لحم، فليسا معروقين. والزندان عظما الذراعين، سائل الأطراف، أى أن أطرافه عليه الصلاة والسلام فخمة لا تعوج، بل إنها مستقيمة، ورحب الراحة أى واسع اليد.

(10)

خمصان الأخمصين: الأخمص وسط القدم الذى ينزل إلى الأرض، ولا تمسه، وخمصانهما أنه طويل، أى أنهما متباعدان.

ص: 236

الأخمصين، مسبح للقدمين، ينبو عنهما الماء. إذ زال تعلقا «1» ، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام» .

وإن هذا يدل على الجمال والكمال، جمال الرجولة، وكمال الإنسان، فكل ما فيه يسترعى الأنظار، ولا تنصرف عنه، ولذلك من لقيه ممن هو خالى الذهن، لا يتجه اليه بحقد أو حسد، أو ضغن يلتفت إليه، ويجد فيه مثلا كاملا للرجل، ومكانة عالية فى الخلق، والإشعار بالمودة، فهو لا يتقدم مباهيا، ولا يسبق معتزا، ولكن يسير وراءه متواضعا، متطامنا، ويلقى السلام على كل من يلقاه إشعارا له بالمودة والمحبة، حتى لا تسبق الجهامة، والمنافرة، فهو جميل التكوين والتنسيق فى جسمه مرضى اللقاء، بل محبوب اللقاء فى خلقه، وما قام بينه وبين أحد فى الجاهلية عداء، ولا كانت شحناء بينه وبين أحد منهم، ولا ملاحاة فى عصبية أو ما يشبهها من المشادات الجاهلية، بل كان الأليف المألوف، القريب إلى النفوس خصوصا النفوس المستقيمة التى لا التواء فيها ولا منافرة.

وذلك فوق ما خصه الله تعالى به من جاذبية شديدة تعلن الطيبة، وتكشف عن خبيئة نفسه الطاهرة المسالمة التى لا تنافر ولا تغاضب، ولا تصخب.

ولنقرأ وصفا، لامرأة مر عليها عابرا فى هجرته من مكة إلى المدينة، فقد قالت واصفة له. وقد سئلت عنه أم معبد:

لقد مر محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه، ومولاه عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الديلمي، فسألوها هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها، فلم يجدوا عندها شيئا، وقالت: لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القري، وكانوا ممحلين، فنظر عليه الصلاة والسلام إلى شاة فى كسر خيمتها فقال ما هذه الشاة يا أم معبد، فقالت: نحلها «2» الجهد، فقال عليه الصلاة والسلام أنأذنين لى أن أحلبها، فقالت إن كان بها حلب فاحلبها، فدعا بالشاة فمسحها، وذكر اسم الله، فكان فى حلبه منها ما كفاهم أجمعين، ثم حلبها، وترك عندها إناءها ملان. فلما جاء بعلها استنكر اللبن، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد، ولا حلوبة فى البيت والشاء عازب!!.

فقالت: لا، والله مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت، فقال صفيه، فو الله إنى لأراه صاحب قريش الذى تطلب!!.

(1) التقلع، رفع الرجل بقوة، والتكفؤ، التزام طريقة الشئ، والقصد فيه، والهون الرفق.

(2)

المحل الجدب، ونحل يعنى ضعف وهزل.

ص: 237