الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم من بعد ذلك كانت المجاهرة الكاملة التى تشق الصفوف المشركة بنور الحق، وإشراق الإخلاص، إذ أمر الله تعالى أمرا جازما قاطعا إذ قال تعالت كلماته فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ «1» .
وقد أخذ عليه الصلاة والسلام من بعد نزول هذه الاية يجاهر المشركين، ويجادلهم بالقران الكريم، ويصابرهم فى اطمئنان المؤمن بالحق فيما يدعو إليه، يجادلهم بالقران الكريم يتلوه عليهم، ويتحداهم أن يأتوا بمثله، وهم يتهددونه وينذرونه وأهله، ويقاطعون بنى هاشم، إلى اخر ما سنقرر من بعد.
وبنو هاشم ما عدا أبا لهب ومعهم بنو المطلب يسيرون معه صفا واحدا اعتبارا للقرابة عند الأكثرية منهم ولأجل الحق عند غيرهم.
حتى إذا مات أبو طالب الذى كان عالى الصوت باسم القرابة والمحبة، أخذ محمد عليه الصلاة والسلام يدعو القبائل فى مواسم الحج، وفى وفودها، حتى إذا صار للإسلام الكلمة العليا فى الجزيرة العربية فاضت الواحدانية بالنور على من وراء البلاد العربية إلى الأقاليم التى تصاقبها إقليما بعد إقليم.
أول من أسلم
308-
اتجه محمد عليه الصلاة والسلام إلى تكوين الخلية الأولى للإسلام، فاتجه إلى الذين يعاشرونه ابتداء،. وكان يعاشره ثلاثة: أولهم أم المؤمنين خديجة، السكن، والمواسية، والحانية، والرقيقة، وأم أولاده، والرفيقة الرؤم، والثانى على بن أبى طالب، وقد كان فى كلاءة النبى عليه الصلاة والسلام وكفالته، وهو له المؤدب والمربي، ذلك أن أبا طالب كان كثير العيال قليل المال، وعند ابن أخيه محمد عليه الصلاة والسلام فضل يسار ومال من عمله فى التجارة فى مال خديجة، وعند العباس عمه مال وفير، إذ كان من أثرياء قريش.
ولقوة إحساس محمد صلى الله عليه وسلم وصلة رحمه وما عنده من مودة فى القربى ذكر حال عمه للعباس واقترح أن يأخذ كل منهما ولدا من أولاد أبى طالب يكفله، فكان من نصيب محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على كرم الله وجهه، وعندما جاءت الدعوة الإسلامية، ونزل الوحى الإلهى كان على فى العاشرة.
وثالث الثلاثة زيد بن حارثة بن شرحبيل، وكان عربيا من بنى كلب.
(1) سورة الحجر: 94.
كان الرق قد جرى عليه بالطريقة الجاهلية، إذ قد أخذته جماعة من الفرسان وهو ابن ثمانى سنوات، وباعوه فى سوق من الأسواق، وال أمره إلى خديجة أم المؤمنين، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عبدا له على مقتضى ما كان عليه الناس إبان ذاك.
وقد جزع أبوه عليه جزعا شديدا، وبكى لفقده، وقد قال فى ذلك شعرا جاء فيه:
بكيت على زيد وما أدرى ما فعل
…
أحى فيرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدرى وإنى لسائل
…
أغالك بعدى السهل أم غالك الجبل
ويا ليت شعرى هل لك الدهر أوبة
…
فحسبى من الدنيا رجوعك لى بجل «1»
تذكرنيه الشمس عند طلوعها
…
وتعرض ذكراه إذا غربها أفل «2»
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره
…
فياطول ما حزنى عليه وما وجل
سأعمل نص العيس فى الأرض جاهدا
…
ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل «3»
حياتى أو تأتى على منيتى
…
فكل امرئ فان وإن غره الأمل «4»
أخذ يبحث عنه فى طول بلاد العرب، حتى عثر عليه عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل البعثة، ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عدو الرق بفطرته لم يرد أن يحتجنه عنده غير مختار، فخيره بين أبيه والمقام عنده، وقال: إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك.
ولكن الشاب قد اختار له، فاختار أن يقيم مع محمد صلى الله عليه وسلم وهو يلمح نور النبوة عن الحرية مع أبيه واله، ولكن أباه أخذ يلومه، فقال له:«يا زيد تختار العبودية على أبيك وأمك» فقال ابن الكريم. «إنى قد رأيت من هذا الرجل شيئا، وما أنا بالذى أفارقه أبدا» .
عند ذلك الوفاء أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده، وقام إلى الملأ من قريش، فقال:
اشهدوا أن هذا ابنى وارثا ومورثا.
رأى أبوه ذلك فطابت نفسه، وكان يدعى زيد بن محمد، فلما ألغى التبنى وقال تعالى فى المتبنين:
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ «5» .
(1) بجل بمعني حسم أي حسم الشئ وأنهاه.
(2)
الأرواح جمع ريح، والوجل الخوف.
(3)
النص السير الكثير الشديد.
(4)
الشعر في سيرة ابن هشام ج 1 ص 248.
(5)
سورة الأحزاب: الاية 5.