الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، وصفوتُه من خلقه، بلّغ الرسالةَ، وأدّى الأمانةَ، ونصح الأمّةَ، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنَّ المولى سبحانه أنزل كتابه (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)[آل عمران: 7]، وَوَكَلَ سبحانه بيان كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فجاءت السُّنةُ شارحةً للقرآن ومبيِّنةً له، تُفَسِّرُ مُبهَمه، وتُفَصِّلُ مُجْمَلَه، وتُقَيّد مُطْلَقه، وهي محكمةٌ في ذلك كله، إلا أنه رُبما وقع فيها ما يدخل في حكم المتشابه، فربما رُويَ عنه صلى الله عليه وسلم حديثاً يُوهِمُ معارضة آية قرآنية، وربما رُويَ عنه تفسير آيةٍ ما، وفي هذا التفسير ما يُوهِمُ معنىً مشكلاً.
ولما كانت نصوص الوحيين فيها محكم ومتشابه فقد نَفِذَ من تلك النصوص المتشابهة أعداءُ الإسلام؛ ليثيروا الشبهاتِ حولَ القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ المطهرة، تارةً بالطعن فيهما، وتارةً بالتشكيك وإثارةِ الشبهِ حولهما، يريدون بذلك تضليلَ الأمة، وصدِّها عن دينها القويم، كما أخبر سبحانه عنهم بقوله:(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ)[آل عمران: 7].
إلا أنَّ الله رَدَّ كيدَهم في نحورهم؛ فهيأ لكتابه وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم رجالاً
أفذاذاً من علماء المسلمين، ينفون عنهما انتحال المبطلين وتحريف الغالين، فكشفوا زيفَ تلك الشبه والأكاذيب، وأزاحوا الستار عن خطرها وكيدها، ثم نظروا بعد ذلك في الصحيحِ من سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يقع فيها من وهْمٍ وغَفْلةٍ، من رواةٍ ثقاتٍ عدول، فأبانوا عِللَها، وقَيَّدوا مُهْمَلَها، وأقاموا مُحرّفَها، وعانَوا سقيمها، وصححوا مُصحّفها (1)، وبيَّنوا أنَّ نصوص الوحيين حقٌّ وصدقٌ، لا تتعارض ولا تتناقض، وقد ألّفوا في ذلك تصانيف عِدَّة، اتخذها من جاء بعدهم قُدْوَة، فجزاهم الله عنا وعن سعيهم الحميدِ خير الجزاء، وجعلنا وإياهم عند لقائه من السعداء.
إلا أنَّ الأحاديثَ المُشْكِلَة - التي تتعلق بالتفسير - لا تزال تحتاجُ إلى مزيدٍ من الدراسةِ والتحقيق؛ إذ إنَّ علماءَنا رحمهم الله لم يفردوها بالدراسةِ على حِدة، وإنما كانت مبثوثةً في ثنايا كُتُبِهم؛ وقد يجد من يقفُ على بعضٍ من هذه الأحاديثِ صعوبةً في تحريرها، وجمعِ شتاتِ أقوالِ العلماء فيها، فتبقى الشبهةُ عالقةً في ذهنه دون جواب، ومن هذا المنطلقِ أحببتُ إفراد هذا الموضوعِ بالتصنيف، وعرضَ مسائِله بالدراسة والتحقيق، على منهجِ سلفِنا الصالحِ - رضوانُ الله عليهم - مُدعِّماً ذلك بأقوالهم وآرائِهم.
ويمكنُ إجمالُ أهميةِ الموضوعِ، وسببِ اختيارهِ في النقاط الآتية:
1 -
أنه قد أُلّفَ في مشكلِ القرآنِ (2)، ومشكلِ الحديثِ (3)، على حين لم يُفردْ بالتصنيفِ الأحاديثُ التي تردُ في التفسير، وتُعدُّ: مشكلةً في ذاتها، أو يُوهِمُ ظاهرُها التعارضُ مع القرآنِ الكريم (4)، أو يُوهِمُ ظاهرُها التعارضُ فيما بينها.
(1) انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (1/ 2).
(2)
الكتب المؤلفة في مشكل القرآن أغلبها يتناول الآيات التي يوهم ظاهرها التعارض فيما بينها، ككتاب:«مشكل القرآن» ، لابن قتيبة، وكتاب «دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب» ، للشنقيطي.
(3)
الكتب المؤلفة في مشكل الحديث أغلبها يتناول الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض فيما بينها، أو الأحاديث المشكلة في ذاتها، ككتاب:«تأويل مختلف الحديث» ، لابن قتيبة، وكتاب «مشكل الحديث وبيانه» ، لابن فورك، وكتاب «مشكل الآثار» ، للطحاوي.
(4)
للإمام نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي المقدسي، المتوفى سنة (710هـ) كتاب بعنوان «دفع التعارض عما يُوهِمُ التناقض في الكتاب والسنة» ، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 756)، ولم أقف عليه مطبوعاً أو مخطوطاً.
2 -
الرَّدُ على مطاعنِ أعداءِ الإسلام، والتصدي لكل ما يُثار حول القرآن الكريم والسنة النبوية.
3 -
إبرازُ عظمةِ الوحيين، وخلوِهِما من التناقض.
4 -
بيانُ عنايةِ علماءِ الأمةِ بهذا الموضوع.