الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة [3]: في حَدِّ الإماء إذا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ
.
المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة:
قال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النساء: 25].
المبحث الثاني: ذكر الحديث الذي يُوهِمُ ظاهره التعارض مع الآية:
(6)
ـ (5): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ فقَالَ: "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ (1) ". (2)
(1) الضَّفِيرُ: هو الحبل المفتول من شعر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 93).
(2)
هذا الحديث مُخرَّجٌ في الصحيحين، وقد اختلف الرّواة في نقلِه، فبعضهم يرويه بلفظ:"وَلَمْ تُحْصِنْ"، والبعض الآخر لا يذكر هذا القيد، وبعضهم يرويه بلفظ:"فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ"، والبعض الآخر لا يذكر لفظ الْحَدِّ، ولما كان مدار الإشكال في هذه المسألة قائم على هذين اللفظين، لزم تخريج الحديث وبيان طرقه وألفاظه لتحرير =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الخلاف في هذه الألفاظ وبيان الصحيح منها، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولاً: حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد، رضي الله عنهما:
وله عنهما طريق واحد، وهو: طريق محمد بن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود، به.
وله عن ابن شهاب عدة طرق، وجميع هذه الطرق لم تذكر لفظ "الحد"؛ وأما قيد الإحصان فقد اختُلِفَ فيه على ابن شهاب، وفيما يلي تفصيل الطرق عنه:
الأول: طريق معمر بن راشد، عن ابن شهاب، به.
وقد رواه معمر بقيد الإحصان، ولم يُخْتَلَفْ عليه في ذلك، أخرجه من طريقه: عبد الرزاق في المصنف
(7/ 393)، ومن طريق عبد الرزاق مسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (1704).
الثاني: طريق سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب، به.
وقد اختُلِفَ فيه على سفيان؛ فرواه عنه بلا قيد: الإمامُ مالك، أخرجه من طريقه البخاري في صحيحه، في كتاب العتق، حديث (2556)، ولفظه:"إِذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ".
إلا أنَّ مالكاً لم يُتابع في روايته هذه، فقد رواه عن سفيان: ابنُ أبي شيبة في المصنف (5/ 491)، والإمامُ أحمد في مسنده (4/ 116)، وابنُ ماجة في سننه، في كتاب الحدود، حديث (2565)، عن محمد بن الصباح، به. وكلهم متفقون على ذكر قيد الإحصان في الحديث.
الثالث: طريق مالك بن أنس، عن ابن شهاب، به.
وقد رواه مالك بقيد الإحصان، وهو في موطئه، في كتاب الحدود، حديث (1564)، ورواه عن مالك جمع من المحدثين ولم يختلفوا عليه في ذلك، وممن رواه عنه:
1 -
إسماعيل بن عبد الله الأصبحي: أخرجه من طريقه: البخاري في صحيحه، في كتاب البيوع، حديث (2154).
2 -
خالد بن مخلد: أخرجه من طريقه الدارمي في سننه، في كتاب الحدود، حديث (2326).
3 -
عبد الله بن يوسف: أخرجه من طريقه البخاري في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (6838).
4 -
عبد الله بن مسلمة: أخرجه من طريقه مسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (1704).
الرابع: طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد رواه ابنُ كيسان بقيد الإحصان، أخرجه من طريقه البخاري في صحيحه، في كتاب البيوع، حديث (2233).
ورواه النسائي من طرق أخرى عن ابن شهاب؛ إلا أنَّ النقَّاد عَدّوها من الغلط:
قال النسائي في السنن الكبرى (4/ 301): أخبرني أبو بكر بن إسحاق قال: ثنا أبو الجواب - وهو الأحوص بن جواب - قال: ثنا عمار - وهو ابن رزيق - عن محمد بن عبد الرحمن، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن مسلم، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: جاريتي زَنَت فتبين زناها. قال: "اجلدها خمسين". ثم أتاه فقال: عادت فتبين زناها. قال: "اجلدها خمسين". ثم أتاه فقال: عادت فتبين زناها. قال: "بعها ولو بحبل من شعر".
وقال: أخبرنا محمد بن مسلم بن وارة قال: حدثني محمد بن موسى - وهو ابن أعين الجدري - قال: حدثني أبي، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة .... ، فذكره بنحوه.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: "هذا خطأ والذي قبله خطأ، والصواب الذي قبله". اهـ
والذي صوَّبه النسائي هو حديث سعيد المقبري - كيسان، عن أبي هريرة، به. وسيأتي.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 98): وروى هذا الحديث عن ابن شهاب إسحاق بن راشد، فأخطأ فيه، قال فيه: عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. والطريق خطأ، والصواب فيه قول مالك ومن تابعه .... اهـ، بتصرف.
ثانياً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
وقد رُويَ عنه من ثلاث طرق، وكلها متفقة على عدم ذكر قيد الإحصان في الحديث؛ وأما لفظ "الحد" فقد اختُلِفَ فيه على أبي هريرة رضي الله عنه، وفيما يلي تفصيل الطرق عنه:
الأول: طريق الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، كيسان، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
وقد اختُلِفَ فيه على الليث، فرواه عنه بلفظ "فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ":
1 -
حجاجُ بن محمد: أخرجه عنه الإمام أحمد في مسنده (2/ 494).
2 -
عبدُ العزيز بن أويس: أخرجه عنه البخاري في صحيحه، في كتاب البيوع، حديث (2234).
3 -
عيسى بن حماد: أخرجه عنه مسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (1703).
وخالف هؤلاء الثلاثة عبدُ الله بنُ يوسف؛ فرواه بلفظ الجلد دون ذكر الحد، أخرجه عنه البخاري في صحيحه، في كتاب البيوع، حديث (2152).
الثاني: طريق عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد - كيسان، عن أبيه، عن أبي هريرة، به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد رواه عبيدٌ بلفظ الجلد ولم يذكر الحد، أخرجه من طريقه الإمام أحمد في مسنده (2/ 422).
الثالث: طريق محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد - كيسان، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
وقد رواه ابن إسحاق بلفظ "فَلْيَضْرِبْهَا كِتَاب اللَّهِ"، أخرجه من طريقه أبو داود في سننه، في كتاب الحدود، حديث (4470).
الرابع: طريق عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، به.
وقد اختُلِف فيه على عبيد الله؛ فرواه عنه بلفظ الحد: يحيى بن سعيد، أخرجه من طريقه أبو داود في سننه، في كتاب الحدود، حديث (4470)، قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد
…
، فذكره. ولفظه:"إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَحُدَّهَا وَلَا يُعَيِّرْهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ؛ فَإِنْ عَادَتْ فِي الرَّابِعَةِ فَلْيَجْلِدْهَا وَلْيَبِعْهَا بِضَفِيرٍ أَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ".
هكذا رواه أبو داود بلفظ "فَلْيَحُدَّهَا"، ورواه ابن عبد البر في التمهيد (9/ 97) من طريق مسدد، عن يحيى بن سعيد، فذكره بلفظ "فليجلدها" ولم يقل "فليحدها".
ورواه عن عبيد الله: عبد الرزاق في المصنف (7/ 392)، ومحمد بن عبيد، ولم يذكرا لفظ الحد، أخرجه من طريق محمد بن عبيد: الإمام أحمد في مسنده (2/ 376).
الخامس: طريق إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، به.
ولم يذكر فيه إسماعيلُ الحد، أخرجه من طريقه النسائي في السنن الكبرى (4/ 301).
السادس: طريق أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، به.
وقد رواه عن أيوب سفيانُ بن عيينة، فذكره بلفظ الحد؛ أخرجه من طريقه الإمام أحمد في مسنده
(2/ 249)، والنسائي في السنن الكبرى (4/ 300)، والبيهقي في سننه (8/ 244).
وخالف سفيانَ هشامُ بنُ حيان فرواه عن أيوب ولم يذكر الحد، أخرجه من طريقه: النسائي في السنن الكبرى (4/ 300).
قال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 97): "ولا نعلم أحداً ذكر فيه الحد غير أيوب بن موسى". اهـ
قلت: ذِكْرُ الحد إنما هو من سفيان، وليس من أيوب، بدليل مخالفة هشام المتقدمة.
السادس: طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، به.
ولم يذكر فيه ابن إسحاق الحد، أخرجه من طريقه: النسائي في السنن الكبرى (4/ 300).
السابع: طريق ذكوان أبي صالح الزيات، عن أبي هريرة، به. =