الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: بيان وجه الإشكال في الحديث:
وجه الإشكال: أنَّ الآيات المذكورة في الحديث، إنما هي من الوصايا التي ذُكِرَتْ في التوراة، وليس فيها حجج على فرعون وقومه، بينما الآية صريحة بأن التسع إنما هي لإقامة الحجة والبرهان على فرعون؛ لوصفه تعالى إياها بقوله:(بَيِّنَاتٍ). (1)
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث:
للعلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث مسلكان:
الأول: مسلك قبول الحديث:
ولأصحاب هذا المسلك مذاهب:
الأول: مذهب توجيه الحديث وتأويله:
وهذا مذهب الجمهور من المفسرين، حيث ذهبوا إلى أنَّ الآيات التي أُعطيت لموسى عليه السلام كانت عبارة عن معجزات ودلالات، وقد اتفقوا على تعداد سبع منها، وهي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، واختلفوا في الباقي. (2)
وأما الحديث فقد اختلفوا في توجيهه على أقوال:
الأول: أنَّ ما ذُكِرَ في الحديث هو كلام مستأنف، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عقب
= لابن حجر (5/ 212 - 213)، وسيأتي حكمي على الحديث في مبحث الترجيح، إن شاء الله تعالى.
(1)
انظر حكاية الإشكال في الكتب الآتية: تخريج أحاديث وآثار الكشاف، للزيلعي (2/ 239)، وتفسير ابن كثير (3/ 71)، وروح المعاني، للآلوسي (15/ 231).
(2)
انظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (3/ 488)، وزاد المسير، لابن الجوزي (5/ 67)، ومفاتيح الغيب، للرازي (21/ 54)، وفتح القدير، للشوكاني (3/ 375).
الجواب، لكن الراوي لم يذكر الجواب استغناء بما في القرآن، أو لأن الجواب ظاهرٌ جليٌ لا يخفى على السامع.
وهذا رأي: الطيبي، وتبعه القاري، والسندي، والمباركفوري. (1)
القول الثاني: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن الجواب وأجابه بما أجاب؛ لأن هذا هو الأصلح والأهم للسائل (2)، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخفى عليه معنى الآية.
وهذا رأي: أبي السعود. (3)
القول الثالث: أنَّ ما ذُكِرَ في الحديث هو من الآيات التي تُعبِّد بها بنو إسرائيل، وهذا لا ينافي ما ذُكِرَ عن الجمهور في تفسير الآية؛ لأن ما ذكروه هو من الآيات التي أوعدوا وخوفوا وأنذروا بها، على أنَّ ما ذكروه له حكم الرفع؛ لأنه من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما (4)، وهو مما لا مجال للرأي فيه؛ فيكون له حكم الرفع، وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلا التفسيرين، إلا أنَّ مراده في أحدهما غير مراده بما في الآخر.
وهذا رأي: الطحاوي. (5)
(1) انظر على الترتيب: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (1/ 207 - 208)، ومرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (1/ 215 - 216)، وحاشية السندي على سنن النسائي (7/ 111)، وتحفة الأحوذي، للمباركفوري (7/ 435 - 436).
(2)
ويسمى هذا «الأسلوب الحكيم» ، وقد عرَّفَه الجرجاني، في كتابه «التعريفات» (1/ 39)، فقال:
«هو عبارة عن ذكر الأهم، تعريضاً بالمتكلم على تركه الأهم» .
(3)
تفسير أبي السعود (5/ 198).
(4)
أخرج عبد الرزاق في تفسيره (2/ 390) قال: أنا معمر، عن قتادة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى:(تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) قال: «هي متتابعات، وهي في سورة الأعراف: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)) [الأعراف: 130] قال: السنين لأهل البوادي، ونقص من الثمرات لأهل القرى، فهاتان آيتان. والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم؛ فهذه خمس، ويد موسى إذ أخرجها بيضاء من غير سوء، والسوء: البرص، وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين» .
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 156)، من طريق عبد الرزاق. وإسناده صحيح.
(5)
انظر: مشكل الآثار، للطحاوي (1/ 64 - 66).
القول الرابع: أنه لا منافاة بين القرآن والحديث؛ لأن القرآن قد تضمن ذكر الآيات التي أوتيها موسى، والحديث فيه آيات أخر من التكليف، وكلُّ شاهدٍ لنبوة موسى فهو آية، وكل أمر أُمر به، أو نهي نُهي عنه فهو آية، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ المراد بالآيات المذكورة في هذه الآية هن الآيات التي من جهة الأمر والنهي، لا من جهة الإعجاز والبرهان.
وهذا رأي ابن العربي. (1)
المذهب الثاني: أنَّ المعتمد في تفسير الآية هو الحديث دون غيره، ويرى أصحاب هذا المذهب: أنَّ المراد بالآيات في الآية: هي الأحكام، لا الأدلة، وأطلق عليها آيات؛ لأنها علامات على السعادة لمن امتثلها، والشقاوة لمن تركها.
وهذا رأي: الفخر الرازي، والخفاجي، والآلوسي. (2)
المسلك الثاني: مسلك تضعيف الحديث وعدم قبوله.
ويرى أصحاب هذا المسلك أنَّ الآية لا يصح في تفسيرها إلا ما ذُكِرَ في القرآن في مواضع متفرقة من أنَّ الآيات هي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وغيرها.
وهذا رأي: الزيلعي (3)، وابن كثير، وابن القيم (4)، وابن حجر (5).
قال الزيلعي: «والحديث فيه إشكالان: أحدهما: أنهم سألوا عن تسعة، وأجاب في الحديث بعشرة، وهذا لا يرد على رواية: أبي نعيم، والطبراني (6)؛ لأنهما لم يذكرا فيه السحر، ولا
(1) عارضة الأحوذي، لابن العربي (11/ 215 - 216).
(2)
انظر على الترتيب: مفاتيح الغيب، للرازي (21/ 54)، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (6/ 65)، وروح المعاني، للآلوسي (15/ 232).
(3)
تخريج أحاديث وآثار الكشاف، للزيلعي (2/ 293).
(4)
حاشية ابن القيم على مختصر سنن أبي داود (14/ 86).
(5)
تخريج أحاديث الكشاف (2/ 670).
(6)
بل رواية الطبراني جاء فيها لفظ «السحر» .
على رواية أحمد أيضاً؛ لأنه لم يذكر القذف مرة، وشك في أخرى، فيبقى المعنى في رواية غيرهم، أي خذوا ما سألتموني عنه، وأزيدكم ما يختص بكم، لتعلموا وقوفي على ما يشتمل عليه كتابكم.
الإشكال الثاني: أنَّ هذه وصايا في التوراة، ليس فيها حجج على فرعون وقومه، فأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون، وما جاء هذا إلا من عبد الله بن سلمة؛ فإن في حفظه شيئاً، وتكلموا فيه، وأنَّ له مناكير، ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر كلمات فاشتبه عليه بالتسع آيات فوهم في ذلك، والله أعلم». اهـ (1)
وقال ابن كثير - بعد إيراده لحديث صفوان -: «وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات؛ فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون، والله أعلم» . اهـ (2)
(1) تخريج أحاديث وآثار الكشاف، للزيلعي (2/ 293).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 71)، وانظر: البداية والنهاية (6/ 182).
(3)
تفسير ابن كثير (3/ 71)، باختصار وتصرف يسير.