الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن فارس (1):
المطلب الثاني: تعريف المُشْكِل في الاصطلاح:
تباينت آراء العلماء في تعريف المُشْكِل، فتعريفه عند الأصوليين يختلف عن تعريفه عند المُحَدِّثين والمفسرين، وسأذكر أولاً تعريفه عند أهل كلِّ فن، ثم أُبَيّن أوجه الفرق بين هذه التعريفات، ثم بعد هذا سأذكر تعريفاً جامعاً مانعاً يضبط معناه في اصطلاح المحدثين؛ لأن ما يعنينا في هذا البحث هو معناه في اصطلاح المحدثين دون الأصوليين، ثم أُتْبِع ذلك كله بتعريفٍ عامٍ للمشكل، يشمل معناه في اصطلاح الأصوليين، والمحدثين، والمفسرين.
أولاً: تعريف المُشْكِل في اصطلاح الأصوليين:
أكثر من تناول تعريف المُشْكِل في اصطلاح الأصوليين هم علماء الحنفية، وقد عرَّفه السرخسي (3)، بقوله:«هو اسم لما يشتبه المراد منه، بدخوله في أشكاله على وجهٍ لا يُعرف المُراد إلا بدليل يتميز به من بين سائر الأشكال» . اهـ (4)
وقد أوضح السرخسي مراده بهذا التعريف عند بيانه للفرق بين المُشْكِل والمجمل، فقال: «والمُشْكِل قريب من المجمل، ولهذا خفي على بعضهم فقالوا: المُشْكِل والمجمل سواء، ولكن بينهما فرق، فالتمييز بين الإشكال ـ ليوقف على المراد ـ قد يكون بدليل آخر، وقد يكون بالمبالغة في التأمل حتى يظهر به الراجح، فيتبين به المراد، فهو من هذا الوجه قريب من الخفي، ولكنه فوقه، فهناك الحاجة إلى التأمل في الصيغة وفي أشكالها، وحكمه
(1) هو: أحمد بن فارس بن زكريا، القزويني الرازي، أبو الحسين: من أئمة اللغة والأدب، من تصانيفه (مقاييس اللغة)، و (المجمل)، و (الصاحبي) في علم العربية، ألفه لخزانة الصاحب بن عباد، و (جامع التأويل) في تفسير القرآن، وغيرها، توفي سنة (395هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي
(17/ 103)، والأعلام، للزركلي (1/ 193).
(2)
معجم مقاييس اللّغة، لابن فارس (3/ 204).
(3)
هو: محمد بن أحمد بن سهل، أبو بكر، السرخسي، شمس الأئمة: قاضٍ، من كبار الأحناف، مجتهد، من أهل سرخس (في خراسان). أشهر كتبه (المبسوط) في الفقه والتشريع، ثلاثون جزءاً، أملاه وهو سجين بالجب في أوزجند (بفرغانة) وله (شرح الجامع الكبير للإمام محمد) و (الأصول) في أصول الفقه، وغيرها. وكان سبب سجنه كلمة نصح بها الخاقان، ولما أُطلق سكن فرغانة إلى أن توفي بها سنة
(483هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (5/ 315).
(4)
أصول السرخسي (1/ 168).
اعتقاد الحقيقة فيما هو المراد، ثم الإقبال على الطلب والتأمل فيه إلى أنْ يتبين المراد فيعمل به.
وأما المجمل فهو ضد المُفَسَّر، مأخوذ من الجملة، وهو لفظ لا يُفهم المراد منه إلا باستفسار من المُجْمِلِ، وبيان من جهته يُعرف به المراد.
وبهذا يتبين أنَّ المجمل فوق المُشْكِل؛ فإنَّ المراد في المُشْكِل قائم، والحاجة إلى تمييزه من أشكاله، والمراد في المجمل غير قائم، ولكن فيه توهم معرفة المراد بالبيان
والتفسير». اهـ (1)
وعرَّفه الشاشي (2) فقال: «هو ما ازداد خفاءً على الخفي، كأنه بعدما خفي على السامع حقيقة دخل في أشكاله وأمثاله، حتى لا يُنال المراد إلا بالطلب ثم بالتأمل، حتى يتميز عن أمثاله» . اهـ (3)
وعرَّفه أبو زيد الدَّبُوسي (4)، فقال:«هو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعنى الذي وضعه له واضع اللغة، أو أراده المستعير» . اهـ (5)
وعرَّفه الجُرْجَاني (6)، فقال:«المُشْكِل: هو ما لا يُنال المراد منه إلا بتأملٍ بعد الطلب، وهو الداخل في أشكاله، أي: في أمثاله وأشباهه، مأخوذ من قولهم: أشكل، أي: صار ذا شَكْلٍ، كما يُقال: أحرم، إذا دخل في الحرم، وصار ذا حُرْمَةٍ» . اهـ (7)
وجمع بين هذه التعريفات الأستاذ عبد الوهاب خلاف؛ فقال: «المراد بالمُشْكِل في اصطلاح الأصوليين: اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المراد منه، بل لا بُدَّ من قرينة خارجية تُبيّن ما يُراد منه» . اهـ (8)
ويلاحظ من مجموع هذه التعريفات أنَّ معنى المُشْكِل عند الأصوليين:
(1) المصدر السابق.
(2)
هو: إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب الخراساني، الشاشي: فقيه الحنفية في زمانه. نسبته إلى الشاش (مدينة وراء نهر سيحون) انتقل منها إلى مصر، وولي القضاء في بعض أعمالها، وتوفي بها. له كتاب (أصول الفقه)، يُعرف بأصول الشاشي، توفي سنة (325هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (1/ 293).
(3)
نقله عنه: الدكتور رفيق العجم في «موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين» ، ص (1428)، وانظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (50).
(4)
هو: عبد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدبوسي: أول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود. كان فقيهاً باحثاً، نسبته إلى دبوسية (بين بخارى وسمرقند) ووفاته في بخارى، عن 63 سنة. له (تأسيس النظر) في ما اختلف به الفقهاء أبو حنيفة وصاحباه ومالك، و (الأسرار)، في الأصول والفروع، عند الحنفية، وغيرها، توفي سنة (430هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (4/ 109).
(5)
نقله عنه: الدكتور محمد أديب الصالح في «تفسير النصوص» (1/ 253)، وانظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (50).
(6)
هو: علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني: فيلسوف. من كبار العلماء بالعربية. ولد في تاكو (قرب استراباد) ودرس في شيراز. ولما دخلها تيمور سنة 789 هــ فر الجرجاني إلى سمرقند ثم عاد إلى شيراز بعد موت تيمور، فأقام إلى أن توفي. له نحو خمسين مصنفاً، منها (التعريفات)، و (شرح مواقف الإيجي)، وغيرهما، توفي سنة (816هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (5/ 7).
(7)
التعريفات، للجرجاني، ص (276).
(8)
علم أصول الفقه، لعبد الوهاب خلاف، ص (171).