الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: بيان وجه التعارض بين الآيات والحديث:
ظاهرُ الآيات الكريمة أَنَّ الله تعالى جعل بيته وحرمه آمناً من تسلط الأعداء عليه، وهذا الأمن ظاهره استغراق الأزمنة كلها؛ فلا يستطيع أحدٌ الاعتداء عليه على مرِّ العصور والدهور، وأما الحديث الشريف ففيه تخريب ذي السويقتين للبيت، وهذا يُوهِمُ مُعارضة الآيات. (1)
المبحث الرابع: المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآيات والحديث:
لم يتجاوز العلماء في هذه المسألة مسلك الجمع بين الآيات والحديث، وقد اختلفوا في الجمع على مذاهب:
الأول: أَنَّ الله تعالى جعل الحرم آمناً باعتبار غالب الأوقات، ووَعْدُه تعالى بالأمن لا يلزم منه أنْ يكون دائماً في كل الأوقات، بل إذا حصلت له حُرْمَةٌ وأمنٌ في وقت ما صدق عليه هذا اللفظ، وصحَّ المعنى، ولا يُعارضه ارتفاع ذلك المعنى في وقت آخر.
وهذا مذهب أبي العباس القرطبي، والعيني، والملا علي القاري. (2)
المذهب الثاني: أَنَّ المراد بالآيات جعله آمناً إلى قُرْبِ قيام الساعة
(1) انظر حكاية التعارض في الكتب الآتية: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (8/ 454)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (7/ 246)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (18/ 50)، ولباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (3/ 39)، وفتح الباري، لابن حجر (3/ 539)، وعمدة القاري، للعيني (9/ 233)، ومرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (10/ 63)، والإشاعة لأشراط الساعة، للبرزنجي، ص (268)، وفيض القدير، للمناوي (1/ 118)، (6/ 459)، ولوامع الأنوار البهية، للسفاريني (2/ 123).
(2)
انظر على الترتيب: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (7/ 246)، وعمدة القاري، للعيني (9/ 233)، ومرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (10/ 64).
وخراب الدنيا؛ حيث لا يبقى في الأرض أحدٌ يقول الله الله، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ"(1)، فإذا كان قُرب قيام الساعة سُلِّطَ ذو السويقتين على الكعبة، والذي يكون بخرابه لها خراب العالم، وهذا الوقت الذي يكون فيه خراب العالم ليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن فيه.
وهذا مذهب القاضي عياض، والنووي، والخازن، والحافظ ابن حجر، والمناوي، والسفاريني. (2)
ويؤيد هذا المذهب ما رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ البيت بعد هدم ذي السويقتين له لا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا. (3)
المذهب الثالث: أَنَّ وعده تعالى بأمن بيته مُقَيَّدٌ بعدم استحلال أهله له، فإذا وقع الاستحلال ارتفع هذا الوعد، فيكون عندئذ خراب ذي السويقتين له.
وهذا القيد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"َلَنْ يَسْتَحِلَّ الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ هَلَكَةِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَأْتِي الْحَبَشَةُ فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا". (4)
أشار لهذا المذهب الحافظ ابن حجر، وجعله وجهاً في الجمع بين الآيات والحديث، وهو اختيار محمد بن عبد الرسول البرزنجي. (5)
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (148).
(2)
انظر على الترتيب: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (8/ 454)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (18/ 50)، ولباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (3/ 39)، وفتح الباري، لابن حجر (3/ 539)، وفيض القدير، للمناوي (1/ 118)، ولوامع الأنوار البهية، للسفاريني (2/ 123).
(3)
سيأتي تخريجه في الحاشية الآتية.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 312)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 462)، وابن حبان في صحيحه (15/ 239)، والحاكم في المستدرك (4/ 499)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 120)، (6/ 553).
(5)
انظر على الترتيب: فتح الباري، لابن حجر (3/ 539)، والإشاعة لأشراط الساعة، للبرزنجي، ص (268).