الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)) إِلَى قَوْلِهِ: (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: تِسْعُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ .... » . (1)
المبحث الثالث: بيان وجه الإشكال في الأحاديث:
ظاهر الحديثين الشريفين أنَّ زلزلة الساعة المذكورة في الآية تكون يوم القيامة بعد قيام الناس من قبورهم، وقد اسْتُشْكِلَ بأنَّ ذلك الوقت لا حمل فيه ولا رضاع، فكيف يكون فيه ذهول المرضعة عما أرضعت، ووضع الحامل لحملها؟ (2)
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع الإشكال الوارد في الأحاديث:
اختلف المفسرون في الوقت الذي تكون فيه الزلزلة المذكورة في الآية على مذهبين:
الأول: أنها كائنة في الدنيا على القوم الذين تقوم عليهم الساعة.
وهذا المذهب قال به بعض المتقدمين، كعلقمة، والشعبي، وابن جريج، ومقاتل. (3)
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 435)، والترمذي في سننه، في كتاب التفسير، حديث (3168)، وقال:«حديث حسن صحيح» .
(2)
انظر حكاية الإشكال في الكتب الآتية: كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (3/ 149)، وفتح الباري، لابن حجر (11/ 398)، وعمدة القاري، للعيني (15/ 239)، وأضواء البيان، للشنقيطي (5/ 13).
(3)
انظر: زاد المسير، لابن الجوزي (5/ 295 - 296).
وهو اختيار القاضي ابن عطية، وحكاه مذهب الجمهور من المفسرين. (1)
واسْتَدَلَّ له: بأنَّ الرضاع والحمل لا يكون إلا في الدنيا، وأما الآخرة فلا يكون فيها شيء من ذلك.
وأجاب عن الأحاديث الواردة في المسألة: باحتمال أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية المتضمنة ابتداء أمر الساعة، ثم قصد في تذكيره وتخويفه إلى فصل من فصول يوم القيامة، وهذا من الفصاحة. (2)
المذهب الثاني: أنَّ الزلزلة المذكورة في الآية كائنة يوم القيامة بعد قيام الناس من قبورهم.
وهذا التفسير هو اختيار ابن جرير الطبري، وابن العربي، وابن الجوزي، وأبي عبد الله القرطبي، والنووي، والحافظ ابن حجر، والشنقيطي. (3)
وعمدتهم في هذا التفسير الأحاديث الواردة في المسألة، الدالة على أنَّ ذلك كائن يوم القيامة، يوم أنْ يقول الله تعالى لآدم عليه السلام: أخرج بعث النار.
ولهم في الجواب عن الإشكال الوارد في الأحاديث مسلكان:
الأول: حمل الأوصاف المذكورة في الحديثين على المجاز.
ويرى أصحاب هذا المسلك أنَّ ما ذُكِرَ في الأحاديث هو كناية عن شدة الهول والهلع، بحيث إنه لو حضرت حامل حينئذ لوضعت، ولو حضرت مرضعة لذُهِلَتْ عما أرضعت.
(1) المحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 106).
(2)
المصدر السابق.
(3)
انظر على الترتيب: تفسير الطبري (9/ 105)، والتذكرة في أحوال الموتى والآخرة، للقرطبي، ص (205)، وفيه النقل عن ابن العربي، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (3/ 149)، والتذكرة، للقرطبي، ص (207)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (3/ 122)، وفتح الباري، لابن حجر (11/ 398)، وأضواء البيان، للشنقيطي (5/ 11).
وهذا المسلك قال به ابن الجوزي، والنووي. (1)
المسلك الثاني: حمل الأوصاف المذكورة في الحديثين على الحقيقة.
حيث ذهب الحافظ ابن حجر إلى أنَّ ما ذُكِرَ في الأحاديث محمول على الحقيقة؛ لأن كل أحدٍ يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه، فالحامل تُبعث حاملاً، والمرضع تُبعث مرضعاً، والطفل يُبعث طفلاً؛ فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك لآدم، ورأى الناس آدم، وسمعوا ما قيل له، وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل، ويشيب له الطفل، وتذهل به المرضعة.
قال: «ويحتمل أنْ يكون ذلك بعد النفخة الأولى، وقبل النفخة الثانية، ويكون خاصاً بالموجودين حينئذ، وتكون الإشارة بقوله: «فذاك» إلى يوم القيامة، وهو صريح في الآية، ولا يمنع من هذا الحمل ما يتخيل من طول المسافة بين قيام الساعة، واستقرار الناس في الموقف، ونداء آدم لتمييز أهل الموقف؛ لأنه قد ثبت أنَّ ذلك يقع متقارباً؛ كما قال الله تعالى:(فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14)) [النازعات: 13 - 14]، يعني أرض الموقف، وقال تعالى:(يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ) [المزمل: 17 - 18]، والحاصل أنَّ يوم القيامة يطلق على ما بعد نفخة البعث من أهوال وزلزلة وغير ذلك إلى آخر الاستقرار في الجنة أو النار». اهـ (2)
ولابن العربي جواب آخر، حيث يرى أنَّ يوم الزلزلة يكون عند النفخة الأولى، وفيه ما يكون فيه من الأهوال العظيمة، ومن جملتها ما يقال لآدم، ولا يلزم من ذلك أن يكون ذلك متصلاً بالنفخة الأولى، بل له محملان:
أحدهما: أنْ يكون آخر الكلام منوطاً بأوله، والتقدير: يقال لآدم ذلك في أثناء اليوم الذي يشيب فيه الولدان، وغير ذلك.
وثانيهما: أنْ يكون شيب الولدان عند النفخة الأولى حقيقة، والقول
(1) انظر على الترتيب: كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (3/ 149)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (3/ 122).
(2)
فتح الباري، لابن حجر (11/ 398).