الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زِحَافٌ جائز (1) ". اهـ (2)
المبحث الخامس: الترجيح:
الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - أنَّ ما رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من إنشاده لبعض الشِّعْر إنما قاله اتفاقاً، ولم يقصد به نظم الشِّعْر.
وتَمَثُّل النبي صلى الله عليه وسلم ببيتٍ واحدٍ من الشِّعْر لا يلزم منه أنْ يكون عالماً بالشِّعْر، لأنَّ الذي نفى الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم هو العلم بالشِّعْر، بأصنافه، وأعاريضه، وقوافيه، والاتصاف بقوله، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن موصوفاً بشيء من ذلك باتفاق، فخرج أنْ يكون شاعراً أو عالماً بالشعر. (3)
وقد كانت سَجيَّتُه صلى الله عليه وسلم تأبى صِناعةَ الشِّعْر طبعاً وشرعاً، فعن أبي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ:"سَأَلْتُ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُتَسَامَعُ عِنْدَهُ الشِّعْرُ؟ قَالَتْ: كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ"(4).
وعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا"(5).
وكان صلى الله عليه وسلم لا يحفظ بيتاً على وزن منتظم، وإنْ أنشده زَحَفَهُ أو لم يُتِمَّه،
(1) الزحاف في الشعر: حرفٌ بين حرفين، وهو تغيرٌ يقع في الركن إما بزيادة أو نقص، ويُقال لذلك الركن الذي تغير: مُزاحفاً وغير سالم، والزحف إذا وقع في الصدر سُميَ: ابتداءً، وإذا وقع في العروض سُميَ: فصلاً، وإذا كان في وسط البيت سُميَ: اعتدالاً. انظر: المصدر السابق، ص (905).
(2)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 557).
(3)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (3/ 619 - 620).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/ 188)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 119):"رجاله رجال الصحيح".
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب، حديث (6154)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الشعر، حديث (2258).
وهذا مما يؤكد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يُحْسِنُ صناعة الشعر، ولا تقتضيه جِبلَّتُه، والله تعالى أعلم. (1)
****
(1) انظر: تفسير ابن كثير (3/ 585، 587).