الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث:
للعلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث مسلكان:
الأول: مسلك تضعيف الحديث:
ويرى أصحاب هذا المسلك أَنَّ الحديث المروي في قصة هاروت وماروت هو من الإسرائيليات المُتَلَقَّفة عن مَسْلَمَة أهل الكتاب، وأنَّ رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم خطأ من قِبَلِ بعض الرواة، إذ الصواب وقفه على كعب الأحبار، وهو مما أخذه من كتب بني إسرائيل.
وعلى هذا المسلك عامة العلماء، من مفسرين ومحدثين، وممن قال به:
ابن أبي حاتم، وابن حزم، والبيهقي، وابن العربي، والقاضي عياض، والقاضي ابن عطية، وابن الجوزي، والفخر الرازي، والخازن، وأبو عبد الله القرطبي، والبيضاوي، وأبو حيان، والحافظ ابن كثير، وابن رجب، وأبو السعود، والثعالبي، والآلوسي، والقاسمي، وابن عاشور، والألباني. (1)
قال القاضي عياض: «اعلم ـ أكرمك الله ـ أَنَّ هذه الأخبار لم يُروَ منها شيء - لا سقيمٌ ولا صحيحٌ - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو شيئاً يؤخذ
(1) انظر على الترتيب: العلل، لابن أبي حاتم (2/ 69)، والفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (2/ 323 - 324)، وشعب الإيمان، للبيهقي (1/ 181)، وأحكام القرآن، لابن العربي (1/ 46)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 109)، والمحرر الوجيز، لابن عطية (1/ 187)، والموضوعات، لابن الجوزي (1/ 186)، وزاد المسير، لابن الجوزي (1/ 108)، ومفاتيح الغيب، للرازي (3/ 199)، وتفسير الخازن (1/ 66)، وتفسير القرطبي (2/ 36)، وتفسير البيضاوي (1/ 79)، وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (1/ 498)، وتفسير ابن كثير (1/ 143 - 146)، والتخويف من النار، لابن رجب، ص (37)، وتفسير أبي السعود (1/ 138)، وتفسير الثعالبي (1/ 93)، وروح المعاني، للآلوسي (1/ 463)، ومحاسن التأويل، للقاسمي (1/ 366)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (1/ 642)، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني (1/ 315)، (2/ 312 - 313).
بقياس، والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه، وأنكر ما قال بعضهم فيه كثيرٌ من السلف، وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم، كما نَصَّ الله أول الآيات، من افترائهم بذلك على سليمان، وتكفيرهم إياه». اهـ (1)
وقال أبو عبد الله القرطبي - بعد أنْ أورد القصة من طريق ابن عمر-: «هذا كله ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره، لا يصح منه شيء؛ فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة، الذين هم أُمناء الله على وحيه، وسفراؤه إلى رسله» . اهـ (2)
واستدل أصحاب هذا المسلك على بطلان القصة بأدلة، منها:
1 -
قول الله تعالى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ)[الحجر: 8]، حيث قطع الله عز وجل أَنَّ الملائكة لا تنزل إلا بالحق، وليس شرب الخمر، ولا الزنا، ولا قتل النفس المحرمة من الحق، بل كل ذلك من الباطل. (4)
2 -
قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (9)) [الأنعام: 8 - 9]، حيث أبطل الله عز وجل أنه يمكن ظهور ملَكٍ إلى الناس إلا إلى الأنبياء. (5)
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (1/ 109).
(2)
تفسير القرطبي (2/ 36).
(3)
تفسير ابن كثير (1/ 146).
(4)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (2/ 323).
(5)
انظر: المصدر السابق.
3 -
قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)) [الفرقان: 21 - 22]، حيث قَرَن عز وجل نزول الملائكة في الدنيا برؤيته عز وجل فيها، فدلَّ على أَنَّ نزولهم في الدنيا إلى غير الأنبياء ممتنع ألبتة، ولا يجوز، وأنَّ من قال ذلك فقد قال حجراً محجوراً. (1)
4 -
قوله تعالى: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]، وقوله تعالى:(بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)) [الأنبياء: 26 - 27]، وهذا صريح في براءتهم عن المعاصي، وكونهم متوقفين في كل الأمور، إلا بمقتضى الأمر والوحي. (2)
5 -
أنه تعالى حكى عنهم أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ومن كان كذلك امتنع صدور المعصية منه. (3)
المسلك الثاني: مسلك قبول الحديث وتصحيحه:
حيث ذهب بعض العلماء إلى تصحيح الحديث وقبوله، إلا أنهم لم يجيبوا عن الإشكال الوارد فيه، ومن هؤلاء:
ابن حبان، وأبو بكر الهيثمي، والحافظ ابن حجر، والسيوطي، وابن حجر الهيتمي، والمناوي. (4)
(1) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (2/ 323).
(2)
انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 109)، ومفاتيح الغيب، للرازي (2/ 153)، وتفسير القرطبي (2/ 36).
(3)
انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (2/ 153).
(4)
انظر على الترتيب: صحيح ابن حبان (14/ 63)، حيث أورد الحديث في صحيحه فدل على تصحيحه له، ومجمع الزوائد، للهيثمي (5/ 68)، وفتح الباري (10/ 235)، والعجاب في بيان الأسباب (1/ 317، 327، 343)، والقول المسدد، ص (38)، جميعها لابن حجر، والدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، للسيوطي، ص (203)، والزواجر عن اقتراف الكبائر، للهيتمي (2/ 172)، وفيض القدير، للمناوي (1/ 139).