الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُلْقَى فِي النَّارِ". (1)
المبحث الثالث: بيان وجه التعارض بين الآية والحديث:
ظاهر الآية الكريمة انقطاع رجاء إبراهيم الخليل عليه السلام من إيمان أبيه، وجزمه بأنه لا يُغفر له، ولذلك تبرأ منه وترك الاستغفار له، وهذا التبرؤ ظاهر الآية أنه كائنٌ من إبراهيم في الدنيا، وأما الحديث فظاهره أنه عليه الصلاة والسلام يطلب الاستغفار لأبيه يوم القيامة، ولا ييأس من نجاته إلا بعد المسخ، فإذا مُسِخَ يئس منه وتبرأ، وهذا المعنى يُوهِمُ مُعارضة الآية. (2)
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث:
للعلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث مسلكان:
الأول: مسلك الجمع بينهما:
وقد اختلف أصحاب هذا المسلك في الجمع على مذاهب:
الأول: أَنَّ إبراهيم الخليل عليه السلام تبرأ من أبيه لما مات مشركاً، فترك الاستغفار له، لكن لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة والرِّقَّة فسأل فيه، فلما رآه مُسخ يئس منه حينئذ فتبرأ منه تبرؤاً أبدياً.
وهذا رأي الحافظ ابن حجر. (3)
المذهب الثاني: أَنَّ إبراهيم لم يتيقن موت أبيه على الكفر، بجواز أنْ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب أحاديث الأنبياء، حديث (3350)، وفي كتاب التفسير، حديث (4769).
(2)
انظر حكاية التعارض في الكتب الآتية: فتح الباري، لابن حجر (8/ 359)، وروح المعاني، للآلوسي (11/ 50).
(3)
فتح الباري، لابن حجر (8/ 359).
يكون آمن في نفسه ولم يَطَّلِعَ إبراهيم على ذلك، ويكون تبرؤه منه حينئذ بعد الحال التي وقعت في هذا الحديث.
ذكر هذا المذهب الحافظ ابن حجر. (1)
المذهب الثالث: أَنَّ الحديث ليس فيه دلالة على وقوع الاستغفار من إبراهيم لأبيه وطلب الشفاعة له، وقوله عليه السلام:"يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ" أراد به عليه الصلاة والسلام محض الاستفسار عن حقيقة الحال، فإنه اختلج في صدره الشريف أَنَّ هذه الحال الواقعة على أبيه خزي له، وأنَّ خزي الأب خزي الابن، فيؤدي ذلك إلى خلف الوعد المشار إليه بقوله:"يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ".
ذكر هذا المذهب الآلوسيُّ وتعقبه بأنَّ الحديث ظاهرٌ في الشفاعة، وهي استغفار، وأيّدَ ذلك بما رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يلقى رجل أباه يوم القيامة فيقول: يا أبتِ، أي ابن كنت لك؟ فيقول: خير ابن. فيقول: هل أنت مطيعي اليوم؟ فيقول: نعم. فيقول: خذ بأُزرتي، فيأخذ بأزرته ثم ينطلق حتى يأتي الله تعالى وهو يفصل بين الخلق، فيقول: يا عبدي أدخل من أي أبواب الجنة شئت. فيقول: أي رب وأبي معي، فإنك وعدتني أنْ لا تخزيني، قال: فيمسخ أباه ضبعاً فيهوي في النار فيأخذ بأنفه فيقول سبحانه: يا عبدي هذا أبوك، فيقول: لا وعزتك". (2)
قال الآلوسي: يُفهم من ذلك أَنَّ الرجل في حديث الحاكم هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وطلبه المغفرة لأبيه فيه وإدخاله الجنة أظهر منهما في حديث البخاري. (3)
المذهب الرابع: أَنَّ تبيُّن إبراهيم وتبرؤه من أبيه يكون يوم القيامة، ذلك أَنَّ إبراهيم يستغفر لأبيه يوم القيامة ويطلب له الجنة ظناً منه أنه وفَّى بوعده الذي كان منه في الدنيا، حيث وعده بالإيمان؛ فإذا مُسِخَ أبوه ذيخاً علم أنه لم يفِ بذلك الوعد، فحينئذ يتبرأ منه.
(1) المصدر السابق.
(2)
المستدرك، للحاكم (4/ 632).
(3)
روح المعاني، للآلوسي (11/ 51).