الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ؛ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ. قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ؛ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ (1)
مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا؛ فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ، فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ:(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31] ". (2)
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث:
لم يتجاوز العلماء في هذه المسألة مسلك الجمع بين الآية والحديث، وقد اختلفوا في الجمع على مذهبين:
الأول: أنَّ آدم عليه السلام كان ينظر إلى نسم بنيه عن يمينه وشماله، ونسم بنيه مستقرة في مستقرها، فنسم المؤمنين في الجنة، في عليين، ونسم الكافرين في سجين، في الأرض السُفلى، وليس معنى الحديث أنها عند آدم في السماء الدنيا.
= الحديث الكفن. انظر: لسان العرب، لابن منظور (2/ 596).
(1)
السَفُّود: بِتَشْدِيدِ الْفَاء، هُوَ الَّذِي يُدْخَل فِي الشَّاة إِذَا أُرِيدَ أَنْ تُشْوَى. وجاء في رواية أخرى عند أحمد (4/ 295):"فَانْتَزَعُوا رُوحَهُ كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ الشِّعْبِ مِنْ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ". انظر: فتح الباري، لابن حجر (11/ 459).
(2)
انظر تخريجه: ص (375)، وهو حديث صحيح.
وهذا مذهب: القاضي عياض، وابن رجب، وابن القيم، والحافظ ابن حجر، والعيني، والمناوي، والآلوسي. (1)
واستدلوا له (2):
1 -
بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار في صلاة الكسوف (3)، وهو في الأرض، وليست الجنة في الأرض.
2 -
ورآهما ليلة الإسراء في السماء (4)، وليست النار في السماء (5).
(1) انظر على الترتيب: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (1/ 503)، وأهوال القبور، لابن رجب، ص (202)، والروح، لابن القيم، ص (281 - 282)، وفتح الباري، لابن حجر (1/ 550) و (7/ 250)، وعمدة القاري، للعيني (4/ 44)، وفيض القدير، للمناوي (4/ 426)، وروح المعاني، للآلوسي (15/ 205).
(2)
انظر: أهوال القبور، لابن رجب، ص (202)، وفتح الباري، لابن حجر (7/ 250)، وروح المعاني، للآلوسي (15/ 205).
(3)
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ .... فَقَالَ: "قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ .... ".
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأذان، حديث (745).
(4)
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ - وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ - فَلَمْ نُزَايِلْ ظَهْرَهُ أَنَا وَجِبْرِيلُ عليه السلام حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؛ فَفُتِحَتْ لَنَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ".
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 392)، قال: ثنا يونس، ثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن حذيفة بن اليمان، فذكره.
وإسناده حسن؛ من أجل عاصم بن بهدلة؛ فإنه صدوق له أوهام.
(5)
سُئِلَ فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل النار في السماء أو في الأرض؟
فأجاب: "هي في الأرض، ولكن قال بعض أهل العلم: إنها هي البحار، وقال آخرون: هي في باطن الأرض، والذي يظهر أنها في باطن الأرض، ولكن ما ندري أين هي من الأرض، نؤمن بأنها في الأرض وليست في السماء، ولكن لا نعلم في أي مكان هي على وجه التعيين. والدليل على أن النار في الأرض ما يأتي:
قال الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)) [المطففين: 7] وسجين هي الأرض السفلى، كذلك جاء في الحديث فيمن احتضر وقبض من الكافرين فإنها لا تفتح لهم أبواب السماء، ويقول الله تعالى:"اكتبوا كتاب عبدي في سجين وأعيدوه إلى الأرض". ولو كانت النار في السماء لكانت تفتح لهم أبواب السماء ليدخلوها؛ =
3 -
وبأن حديث الإسراء قد روي بلفظ آخر، وفيه ما يؤيد هذا القول، ويزيل الإشكال عن الحديث؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكر حديث الإسراء بطوله، وفيه:"ثم صعد به إلى السماء؛ فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا بشيخ جالس تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خلق البشر، عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب تخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك، وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى وحزن، فقال: يا جبريل، من هذا الشيخ؟ وما هذان البابان؟ قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا رأى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله باب جهنم من يدخله من ذريته بكى وحزن". (1)
= لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أصحابها يعذبون فيها، وإذا كانت في السماء لزم من دخولهم في النار التي في السماء أن تفتح أبواب السماء.
لكن بعض الناس استشكل وقال: كيف يراها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به وهي في الأرض؟
وأنا أعجب لهذا الاستشكال، إذا كنا ونحن في الطائرة نرى الأرض تحتنا بعيدة وندركها، فكيف لا يرى النبي صلى الله عليه وسلم النار وهو في السماء؟
فالحاصل أنها في الأرض، وقد روي في هذا أحاديث لكنها ضعيفة، وروي آثار عن السلف، كابن عباس، وابن مسعود، وهو ظاهر القرآن (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)) والذين كذبوا بالآيات واستكبروا عنها لا شك أنهم في النار ". انتهى من مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/ 60 - 61).
وقد ذكر الشيخ محمد السفاريني خلاف أهل العلم في مكان وجود النار وأدلة الفريقين، فانظرها في كتابه "لوامع الأنوار البهية" (2/ 237). وانظر: يقظة أولي الاعتبار، للقنوجي (1/ 45 - 48).
(1)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 7)، من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة، أو غيره، شك أبو جعفر الرازي.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 2309)، قال: حدثنا محمد بن =
المذهب الثاني: أنَّ الأرواح التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم عن يمين آدم وشماله إنما هي أرواح بنيه التي لم تُخلق أجسادهم بعدُ. (1)
= عبد الله بن نمير، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عيسى بن عبد الله التميمي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس البكري، عن أبي العالية، أو غيره، شك عيسى، عن أبي هريرة، به.
وأخرجه البزار في مسنده [كما في كشف الأستار (1/ 38)] قال: حدثنا محمد بن حسان، حدثنا أبو النضر، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، أو غير، عن أبي هريرة، به.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 22 - 23): "ورواه الحافظ أبو بكر البيهقي عن أبي سعيد الماليني، عن ابن عدي، عن محمد بن الحسن السكوني، البالسي، بالرملة، حدثنا علي بن سهل، فذكر مثل ما رواه ابن جرير عنه. وذكر البيهقي أن الحاكم أبا عبد الله رواه عن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، عن جده، عن إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن حاتم بن إسماعيل، حدثني عيسى بن ماهان - يعني أبا جعفر الرازي - عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره
…
".
ثم قال: "وأبو جعفر الرازي قال فيه الحافظ أبو زرعة الرازي: يهم في الحديث كثيراً. وقد ضعفه غيره أيضاً، ووثقه بعضهم، والظاهر أنه سيئ الحفظ، ففيما تفرد به نظر، وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة". اهـ
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 72)، وقال:"رواه البزار، ورجاله موثقون؛ إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره، فتابعيه مجهول". اهـ
وأورده الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 55)، وعزاه للطبراني والبزار، وضعف إسناده.
وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 365)، وابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 14)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 392)، جميعهم من طريق أبي هارون - عمارة بن جوين العبدي - عن أبي سعيد، به. ولفظه:"فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله عز وجل على صورته، فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته من المؤمنين، فيقول: روح طيبة، ونفس طيبة، اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة، ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين".
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 15): "في إسناده عمارة بن جوين، وهو مضعّف عند الأئمة". اهـ
(1)
قال ابن القيم في كتابه "الروح"، ص (376): "تَقَدُّمُ خَلْقِ الأرواح على الأجساد أو تأخر خلقِها عنها، هذه المسألة للناس فيها قولان معروفان، حكاهما شيخ الإسلام =