الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة [1]: في قصة هاروت وماروت
.
المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة:
قال الله تعالى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102)) [البقرة: 102].
المبحث الثاني: ذكر الحديث المشكل الوارد في تفسير الآية:
(76)
ـ (65): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ آدَمَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَهْبَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْأَرْضِ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. قَالُوا: رَبَّنَا نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: هَلُمُّوا مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، حَتَّى يُهْبَطَ بِهِمَا إِلَى الْأَرْضِ، فَنَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلَانِ؟ قَالُوا: رَبَّنَا هَارُوتُ وَمَارُوتُ. فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ، وَمُثِّلَتْ لَهُمَا الزُّهَرَةُ، امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ، فَجَاءَتْهُمَا فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْإِشْرَاكِ. فَقَالَا: وَاللَّهِ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ أَبَدًا. فَذَهَبَتْ
عَنْهُمَا، ثُمَّ رَجَعَتْ بِصَبِيٍّ تَحْمِلُهُ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، حَتَّى تَقْتُلَا هَذَا الصَّبِيَّ. فَقَالَا: وَاللَّهِ لَا نَقْتُلُهُ أَبَدًا. فَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا، قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ. فَشَرِبَا فَسَكِرَا فَوَقَعَا عَلَيْهَا وَقَتَلَا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا مِمَّا أَبَيْتُمَاهُ عَلَيَّ إِلَّا قَدْ فَعَلْتُمَا حِينَ سَكِرْتُمَا، فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا» (1).
(1) رويت هذه القصة عن عدد من الصحابة والتابعين، ورويت مرفوعة وموقوفة من حديث ابن عمر، وعلي رضي الله عنهما.
وقد رويت القصة بألفاظ متقاربة مع اتحاد أصل القصة، وفيما يلي تفصيل هذه الروايات وذكر أقوال النقاد فيها:
أولاً: حديث ابن عمر:
وقد رُويَ عنه من عدة طرق، بعضها موقوفاً عليه، وبعضها مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، وفيما يلي تفصيل هذه الطرق:
الطريق الأول: عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعاً.
أخرجه الإمام أحمد - باللفظ المذكور في المتن - في مسنده (2/ 179) حديث (6172)، وعبد بن حميد في المنتخب، ص (251)، وابن أبي الدنيا في العقوبات (1/ 146)، وابن أبى حاتم في العلل (2/ 69)، وابن حبان في صحيحه (14/ 63)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 40)، وفي شعب الإيمان
(1/ 180)، وابن قدامة المقدسي في كتاب التوابين، ص (3)، جميعهم من طريق زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع، به.
نقل الخلال في المنتخب من العلل، ص (295)، عن الإمام أحمد أنه قال:«هذا منكر، إنما يُروى عن كعب» . ونقل ابن أبي حاتم في العلل (2/ 69 - 70)، عن أبيه أنه قال:«هذا حديث منكر» . وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 143) - بعد سياقه للحديث -: «هذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات، من رجال الصحيحين؛ إلا موسى بن جبير هذا، وهو الأنصاري السلمي، مولاهم المدني، الحذاء، روى عن ابن عباس، وأبي أمامة سهل بن حنيف، ونافع، وعبد الله بن كعب بن مالك، وروى عنه ابنه عبد السلام، وبكر بن مضر، وزهير بن محمد، وسعيد بن سلمة، وعبد الله بن لهيعة، وعمرو بن الحارث، ويحيى بن أيوب، وروى له أبو داود، وابن ماجة، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 139) ولم يحكِ فيه شيئاً من هذا ولا هذا، فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم» . اهـ
وللحديث طرق أخرى عن نافع، ولكنها ضعيفة لا تصلح للمتابعة.
الأول: أخرجه ابن مردويه في تفسيره [كما في تفسير الحافظ ابن كثير (1/ 143)] =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال: حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا هشام بن علي بن هشام، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا سعيد بن سلمة، حدثنا موسى بن سرجس، عن نافع، عن ابن عمر، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
…
». فذكره.
وفي سنده موسى بن سرجس، ذكره ابن حجر في التقريب (2/ 288) وقال:«مدني مستور» .
وقد خُولف هشام بن علي في روايته هذه عن عبد الله بن رجاء.
فأخرج البيهقي في شعب الإيمان (1/ 180)، من طريق محمد بن يونس بن موسى، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا سعيد بن سلمة، عن موسى بن جبير، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .... ». فذكره.
وفي سنده محمد بن يونس بن موسى الكديمي، متهم بوضع الحديث. قال ابن حبان:«كان يضع الحديث، ولعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث» . وقال ابن عدي: «اتهم بوضع الحديث وبسرقته، وادعى رؤية قوم لم يرهم، وروايةً عن قوم لا يعرفون، وترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه نسبه إلى جده موسى بأن لا يعرف» . اهـ
وقال الدارقطني: «كان الكديمي يُتهم بوضع الحديث، وما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله» . اهـ
وقال الذهبي: «هالك، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات» . اهـ
انظر: الكامل، لابن عدي (6/ 292)، وميزان الاعتدال، للذهبي (6/ 378 - 380)، وتهذيب التهذيب، لابن حجر (9/ 475)، والمجروحين، لابن حبان (2/ 312).
قال البيهقي بعد سياقه للحديث في الموضع السابق: «ورويناه من وجه آخر عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفاً عليه، وهو أصح فإن ابن عمر إنما أخذه عن كعب» .
الثاني: طريق الحسين - وهو سنيد بن داود صاحب التفسير - عن فرج بن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعاً. أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الهوى (1/ 157)، وابن جرير في تفسيره (1/ 504)، والخطيب البغدادي في تاريخه (8/ 42).
قال ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 186): «هذا حديث لا يصح، والفرج بن فضالة قد ضعفه يحيى، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأحاديث الصحيحة، لا يحل الاحتجاج به، وأما سنيد فقد ضعفه أبو داود، وقال النسائي: ليس بثقة» . اهـ
وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 143) - بعد سياقه للطريقين -: «وهذان أيضاً غريبان جداً، وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم» . اهـ
الطريق الثاني: عن مجاهد، عن ابن عمر، موقوفاً.
وقد رُوي عنه من ثلاثة طرق:
الأول: طريق العوام بن حوشب، عن مجاهد، به.
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/ 583).
الثاني والثالث: طريق المنهال بن عمرو، ويونس بن خباب، كلاهما عن مجاهد، به.
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 306)، بتحقيق د. أحمد الزهراني.
قال ابن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كثير في تفسيره (1/ 144): «وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر» . ثم ذكر أنه روي مرفوعاً وقال: «وهذا - يعني طريق مجاهد - أثبت وأصح إسناداً» . اهـ
الطريق الثالث: عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، موقوفاً.
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 650)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
الطريق الرابع: عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن كعب، به.
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 53)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 62)، وابن أبي الدنيا في العقوبات (1/ 149)، وابن جرير في تفسيره (1/ 502)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 306)، بتحقيق د. أحمد الزهراني، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 181)، جميعهم من طريق موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب، به.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 143) - بعد أن ذكر الحديث من رواية موسى بن جبير، ومعاوية بن صالح، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر، به، مرفوعاً - قال:«فهذا - يعني طريق سالم - أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل، والله أعلم» . اهـ
وانظر: سنن سعيد بن منصور (2/ 584 - 594) بتحقيق د. سعد آل حميد، فقد أفدت منه في تخريج هذا الحديث.
ثانياً: حديث علي بن أبي طالب:
فعن عمير بن سعيد قال: سمعت علياً يقول: «كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس، وأنها خاصمت الملكين هاروت وماروت، فراوداها عن نفسها، فأبت إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تُكلم به يُعرج به إلى السماء، فعلماها، فتكلمت به، فعرجت إلى السماء فمُسِخت كوكباً» .
أخرجه ابن جرير في تفسيره - واللفظ له - (1/ 502)، من طريق حماد بن زيد، عن خالد الحذاء، عن عمير، به.
وأخرجه عبد بن حميد [كما في العجاب، لابن حجر (1/ 322)]، وابن أبي الدنيا في العقوبات،
ص (148)، وأبو الشيخ في العظمة (4/ 1223)، والحاكم في المستدرك وصححه (2/ 291)، جميعهم من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عمير، به. وفي سياقه بعض الاختلاف.
قال ابن كثير في تفسيره (1/ 143): «رجال إسناده ثقات، وهو غريب جداً» . اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في العجاب (1/ 322): «هذا سند صحيح، حكمه أن يكون مرفوعاً؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، وما كان علي يأخذ عن أهل الكتاب» . اهـ
وروي عن علي مرفوعاً بلفظ: «لعن الله الزهرة، فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت» .
رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة [كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني (2/ 315)]، وابن مردويه في تفسيره [كما في تفسير الحافظ ابن كثير (1/ 143)].
وذكره السيوطي في الدر (1/ 186) ونسبه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لإسحاق بن راهويه، وابن المنذر.
قال عنه ابن كثير في تفسيره (1/ 143): «لا يصح وهو منكر جداً» ، وحكم عليه بالوضع الألباني، في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 315).
أخرجه ابن جرير في تفسيره (1/ 501).
(1/ 305)، بتحقيق د. الزهراني، والحاكم في المستدرك (2/ 480).
خامساً: أثر كعب الأحبار: وقد تقدم تخريجه في أثر ابن عمر.
ورويت هذه القصة عن عبيد بن عتبة، ومجاهد، وعطاء، وقتادة، والسدي، والربيع بن أنس، والكلبي. انظر: تفسير ابن كثير (1/ 146). وسيأتي في مبحث الترجيح بيان القول الراجح في الحكم على هذا الحديث. =