الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلاحظ من مجموع هذه التعريفات أنها لم تأتِ بتعريف جامعٍ مانعٍ لمشكل الحديث، وإنما ذكرت بعض أنواعه.
كما يُلاحظ أنَّ معنى المُشْكِل عند عامة المحدثين مغاير تماماً لمعناه عند الأصوليين؛ إلا أنَّ بعضهم ربما أطلق الإشكال وأراد به معناه عند الأصوليين.
وهذه التعريفات التي ذكرناها سابقاً نستطيع أنْ نستخلص منها تعريفاً جامعاً مانعاً شاملاً لكل أنواع مشكل الحديث، مع إضافة بعض الضوابط التي لم تُذكر في تلك التعريفات.
وعليه فإن مشكل الحديث: هو الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند مقبول، ويُوهِمُ ظاهره مُعارضةَ آيةٍ قرآنية، أو حديثٍ آخر مثله، أو يُوهِمُ ظاهره مُعارضةَ مُعْتَبَرٍ مِنْ: إجماعٍ، أو قياسٍ، أو قاعدةٍ شرعيةٍ كليةٍ ثابتة، أو أصلٍ لغوي، أو حقيقةٍ علميةٍ،
أو حِسٍ، أو معقولٍ.
ثالثاً: تعريف المُشْكِل عند علماء التفسير وعلوم القرآن:
معرفة المُشْكِل عند علماء التفسير وعلوم القرآن يتطلب النظر في نوعين من المؤلفات:
الأول: الكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم، والثاني: الكتب المؤلفة في علوم القرآن.
ففي الكتب المؤلفة في التفسير نجد أنَّ هناك نوعين من التأليف:
الأول: كتبٌ مفردة في مشكل القرآن، وموهم التعارض بين آياته.
والثاني: كتبٌ عامة، جل اهتمامها هو التفسير؛ إلا أنَّ مؤلفيها ربما تطرقوا لحلِّ بعض مشكلات القرآن.
فمن الأول: كتاب «تأويل مشكل القرآن» ، لابن قتيبة، وكتاب «حل
(1) مشكل القرآن، للمنصور، ص (53).
مشكلات القرآن»، لابن فورك، وكتاب «درة التنزيل وغرة التأويل» ، للخطيب الإسكافي، وكتاب «دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب» ، للشنقيطي. (1)
ومن أشهر الذين اعتنوا بحل بعض مشكلات القرآن في مؤلفاتهم التفسيرية: القاضي ابن عطية، في كتابه «المحرر الوجيز» ، وأبو عبد الله القرطبي في كتابه «الجامع لأحكام القرآن» ، والخازن في كتابه «لباب التأويل في معاني التنزيل» ، والآلوسي في كتابه «روح المعاني» .
وفي تلك الكتب لم نجد أحداً منهم تطرق لتعريف المُشْكِل، إلا أنَّ مقتضى صنيعهم يدلُّ على أنَّ مصطلح المُشْكِل عندهم عامٌ يشمل كل إشكال يطرأ على الآية، سواء كان في اللفظ أم في المعنى، أو كان لتوهم تعارض، أو توهم إشكال في اللغة، أو غير ذلك. (2)
وأما كتب علوم القرآن فقد أفرد بعض مؤلفيها أبواباً خاصة لمشكل القرآن، تناولوا فيها تعريف المُشْكِل، وموهم التناقض بين آي القرآن، ومن أبرز من اعتنى بذلك: الزركشي، في كتابه «البرهان في علوم القرآن» ، والسيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» ، وابن عقيلة المكي (3)، في كتابه «الزيادة والإحسان في علوم القرآن» .
قال الزركشي في النوع الخامس والثلاثين: «معرفة موهم المُخْتلف» ، ثم عرَّف هذا النوع فقال:«وهو ما يُوهِمُ التعارض بين آياته» . (4)
ويلاحظ اقتصار الزركشي على نوع واحد من أنواع مشكل القرآن، وهو ما يُوهِمُ التعارض بين آياته، وقد ذكر نوعاً آخر في فصل مستقل، وهو موهم التعارض بين القرآن والسنة (5)، وفي النوع السادس والثلاثين جعل خفاء اللفظ من المُشْكِل وأدخله في نوع المتشابه والذي يَعُدُّه من المُشْكِل. (6)
(1) انظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (53 - 54).
(2)
انظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (53 - 54).
(3)
هو: محمد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكي، شمس الدين، المعروف بابن عقيلة: مؤرخ، من المشتغلين بالحديث، من أهل مكة، مولده ووفاته فيها. من كتبه (لسان الزمان) في التاريخ، رتبه على حوادث السنين إلى سنة 1123 هـ، و (الفوائد الجليلة) في الحديث، وغيرهما، توفي سنة (1150). انظر: الرسالة المستطرفة، للكتاني، ص (84)، والأعلام، للزركلي (6/ 13).
(4)
البرهان في علوم القرآن، للزركشي (2/ 176).
(5)
المصدر السابق (2/ 193).
(6)
انظر: المصدر السابق (2/ 200).
وأما السيوطي في الإتقان فقد أفاد من الزركشي وزاد عليه، حيث قال:«النوع الثامن والأربعون: في معرفة مُشكله، وموهم الاختلاف والتناقض» . (1)
وظاهر صنيعه أنَّ المُشْكِل مغايرٌ لموهم الاختلاف والتناقض، لكن هذا الظاهر غير مراد منه قطعاً، بل مراده أنَّ موهم الاختلاف والتناقض هو المُشْكِل بعينه، يدل على ذلك ما سطَّره في كتابه «معترك الأقران»؛ فإنه قال:«الوجه السابع من وجوه إعجازه: ورود مشكله حتى يُوهِمَ التعارض بين الآيات» . (2)
وأما ابن عقيلة فقد فرَّق بين المُشْكِل وموهم التناقض؛ فالمُشْكِل عنده هو ما خفي معناه من الآيات، وموهم التناقض هو ما جاء من آيات يُعارض بعضها بعضاً.
قال ابن عقيلة في تعريف المُشْكِل: «هو ما أشكل معناه على السامع، ولم يصل إلى إدراكه إلا بدليلٍ آخر» . (3)
وقال ـ بعد أنْ أورد كلام السيوطي في الإتقان ـ: «قلت: تقدم تعريف المُشْكِل، وأنه هو الذي أشكل معناه فلم يتبين حتى بُيّن، وليس هذا النوع من ذلك، بل هذا النوع آيات يُعارض بعضها بعضاً، وكلام الله تعالى مُنزَّهٌ عن ذلك» . اهـ (4)
ومن مجموع ما سبق يتبين أنَّ علماء التفسير وعلوم القرآن يطلقون المُشْكِل ويعنون به: الآيات التي يُوهِمُ ظاهرها التعارض فيما بينها، أو الآيات التي يُوهِمُ ظاهرها معارضة حديث نبوي، أو الآيات التي في معناها خفاء وغموض، لا يدرك إلا بدليل آخر.
وربما أطلقوا المُشْكِل على الآيات أو القراءات التي خالفت قاعدة لغوية، من نحوٍ أو تصريف أو إعراب.
والتعريف الجامع المانع ـ في نظري ـ أنْ يُقال: مشكل القرآن: هو
(1) الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (2/ 724).
(2)
معترك الأقران في إعجاز القرآن، للسيوطي (1/ 72).
(3)
الزيادة والإحسان، لابن عقيلة (5/ 134).
(4)
المصدر السابق (5/ 196).