الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة [6]: في عصمة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من الناس
.
المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)) [المائدة: 67].
المبحث الثاني: ذكر الأحاديث التي يُوهِمُ ظاهرها التعارض مع الآية:
وردت أحاديث تفيد بظاهرها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أصابه بعضُ الأذى من قومه، ومن هذه الأحاديث: أنه شُجَّ يوم أحد، وسُحِرَ، وسَمّته امرأةٌ يهودية.
(9)
ـ (8): فعن أنس رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ (1) يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ (2) فِي رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران: 128] ". (3)
(1) الرَّبَاعِيَةِ: هِيَ السِّنُّ الَّتِي بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ، والْمُرَادُ: أَنَّهَا كُسِرَتْ فَذَهَبَ مِنْهَا فَلَقَةٌ وَلَمْ تُقْلَعْ مِنْ أَصْلِهَا. انظر: فتح الباري، لابن حجر (7/ 423).
(2)
الشجة: الجرح في الرأس أو الوجه أو الجبين. انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (2/ 244).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الجهاد والسير، حديث (1791).
(10)
ـ (9): وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ". (1)
(11)
ـ (10): وعنها قالت: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ؛ فَهَذَا أَوَانُ (2)
وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي (3) مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ". (4)
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الطب، حديث (5763)، ومسلم في صحيحه، في كتاب السلام، حديث (2189)، كلاهما من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.
(2)
الأَوَان ـ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْرهَا ـ: الْحِين وَالزَّمَان. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (1/ 82)، ولسان العرب، لابن منظور (13/ 40).
(3)
الأَبْهَر: عِرْق فِي الظَّهْر، وَهُمَا أَبْهَرَانِ، وَقِيلَ: هُمَا الْأَكْحَلَانِ اللَّذَانِ فِي الذِّرَاعَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ عِرْق مُسْتَبْطِن الْقَلْب؛ فَإِذَا اِنْقَطَعَ لَمْ تَبْقَ مَعَهُ حَيَاة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير
(1/ 18).
(4)
قصة الشاة المسمومة التي أكل منها النبي صلى الله عليه وسلم: أخرجها البخاري في صحيحه، في كتاب الهبة، حديث
(2617)
، ومسلم في صحيحه، في كتاب السلام، حديث (2190)، من حديث أنس رضي الله عنه:"أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ. قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ. قَالَ: أَوْ قَالَ: عَلَيَّ. قَالَ: قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ". وهذا اللفظ لمسلم.
ويلاحظ أن الحديث في الصحيحين ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مات بسبب ذلك السم، بخلاف حديث عائشة رضي الله عنها.
وحديث عائشة صحيح، وسأذكر تخريجه، وبيان طرقه وشواهده:
أخرجه البخاري - تعليقاً - في كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، حديث (4165) قال: وقال يونس، عن الزهري، قال عروة: قالت عائشة:
…
، فذكره.
قال الحافظ ابن حجر، في الفتح (7/ 737):"وصله البزار، والحاكم [في المستدرك (3/ 60)]، والإسماعيلي، من طريق عنبسة بن خالد، عن يونس، بهذا الإسناد".
وقال: "قال البزار: "تفرد به عنبسة، عن يونس"، أي بوصله".
وقال في تغليق التعليق (4/ 163): "وخالفه موسى بن عقبة، فرواه في المغازي عن ابن شهاب مرسلاً". اهـ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعنبسة بن خالد: ذكره الحافظ ابن حجر، في التقريب (2/ 93)، وقال:"صدوق". وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 515).
وأخرج ـ نحوه ـ ابن سعد في الطبقات (8/ 314) قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني معمر، ومالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"دخلت أم بشر بن البراء بن معرور على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وهو محموم، فمسته فقالت: ما وجدت مثل وَعَكٍ عليك على أحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كما يضاعف لنا الأجر كذلك يضاعف علينا البلاء، ما يقول الناس؟ قالت: قلت: زعم الناس أن برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الجنب. فقال: ما كان الله ليسلطها علي، إنما هي همزة من الشيطان، ولكنه من الأكلة التي أكلت أنا وابنك يوم خيبر، ما زال يصيبني منها عداد حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري، فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً".
وللحديث شواهد، منها:
الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زالت أكلة خيبر تعادني، حتى هذا أوان قطعت أبهري".
أخرجه البزار [كما في تخريج أحاديث الكشاف، للزيلعي (1/ 68)] من طريق سعيد بن محمد الوراق، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.
قال البزار: "وسعيد بن محمد الوراق، من أهل الكوفة، وليس بالقوي، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه". اهـ
وأخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 403)، وأعله بسعيد بن محمد الوراق، ونقل تضعيفه عن النسائي، وابن معين.
وأخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الديات، حديث (4512)، والدارمي في سننه، في المقدمة، حديث (67)، كلاهما من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، مرسلاً.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 242)، من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به. وفيه ذكر القصة، ولم يذكر أن السم كان سبب وفاته صلى الله عليه وسلم.
الشاهد الثاني: حديث أم مُبَشِّرٍ رضي الله عنها:
أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ـ في المرض الذي مات فيه ـ: "ما تتهم بنفسك يا رسول الله، فإني لا أتهم بابني إلا الشاة المشوية التي أكل معك بخيبر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أتهم إلا ذلك بنفسي، هذا أوان قطع أبهري".
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ 29)، عن معمر، عن الزهري، عن كعب بن مالك، أن أم مُبَشِّرٍ .... ، فذكره. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال حبيب الرحمن الأعظمي ـ محقق الكتاب ـ: "الصواب: الزهري، عن ابن كعب بن مالك". اهـ
وأخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الديات، حديث (4513) قال: حدثنا مخلد بن خالد، عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أن أم مبشر .... ، فذكره.
قال أبو داود ـ عقبه ـ: "وربما حدث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسلاً، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما حدث به عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك. وذكر عبد الرزاق أن معمراً كان يحدثهم بالحديث مرة مرسلاً؛ فيكتبونه، ويحدثهم مرة به فيسنده فيكتبونه، وكلٌ صحيح عندنا". اهـ
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/ 18) قال: ثنا إبراهيم بن خالد، ثنا رباح، ثنا معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أمه، أن أم مبشر .... ، فذكره.
وأخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الديات، حديث (4541)، عن أحمد بن حنبل بهذا الإسناد، وفيه: عن أمه أم مُبَشِّرٍ.
قال أبو سعيد بن الأعرابي ـ راوي سنن أبي داود ـ عقب هذا الحديث: "كذا قال: عن أمه، والصواب: عن أبيه، عن أم مُبَشِّرٍ". اهـ، من عون المعبود، للآبادي (12/ 152).
وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 242)، عن أحمد بن جعفر ـ وهو القطيعي راوي مسند الإمام أحمد ـ عن عبد الله بن الإمام أحمد، عن أبيه، به. وفيه: عن أبيه، عن أم مُبَشِّرٍ.
وأخرج نحوه ابن سعد في الطبقات (2/ 236) قال: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأخنسي قال: دخلت أم بشر بن البراء على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقالت: .... ، فذكره.
الشاهد الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 204) قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرح، ثنا يحيى بن بكير، ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات من اللحم الذي كانت اليهودية سمته فانقطع أبهره من السم على رأس السنة، فكان يقول: ما زلت أجد منه حساً". قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 35): "إسناده حسن".
الشاهد الرابع: حديث بريدة رضي الله عنه:
قال الزيلعي، في تخريج أحاديث الكشاف (1/ 68): "ورواه الطبري: حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا عوف، عن ميمون بن عبد الله، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر .... ، فذكر القصة بطولها إلى أن =