الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة [5]: في الحدود هل هي كفارة لأهلها أم لا
؟
المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة:
قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)) [المائدة: 33].
المبحث الثاني: ذكر الحديث الذي يُوهِمُ ظاهره التعارض مع الآية:
(8)
ـ (7): عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وحوله عصابة من أصحابه -:"بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ (1)، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ؛ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك". (2)
(1) الْبُهْتَان: الْكَذِب يَبْهَت سَامِعه، وَخَصَّ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل بِالِافْتِرَاءِ لِأَنَّ مُعْظَم الْأَفْعَال تَقَع بِهِمَا. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (1/ 165)، وفتح الباري، لابن حجر (1/ 82).
(2)
رُويَ هذا الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه من أربعة طرق: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأول: طريق عائذ بن عبد الله، أبي إدريس الخولاني:
أخرجه - من طريقه - البخاري في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (18)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (1807). باللفظ المذكور في المتن.
الثاني: طريق عمرو بن مرثد، أبي أسماء:
أخرجه - من طريقه - الإمام أحمد في مسنده (5/ 313)، وابن حبان في صحيحه (10/ 253)، وفيه:"فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْهُنَّ حَدًّا فَعُجِّلَ لَهُ عُقُوبَتُهُ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ".
الثالث: طريق عبد الرحمن بن عسيلة، الصنابحي، المرادي:
أخرجه - من طريقه - البخاري في صحيحه، في كتاب المناقب، حديث (8393)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (1709)، ولفظه:"بَايَعْنَا رَسُولَ صلى الله عليه وسلم: عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَا نَنْتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ: بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ؛ فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ".
الرابع: طريق شراحيل بن آدة، أبي الأشعث، الصنعاني:
أخرجه - من طريقه - مسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (1709)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 32)، حديث (22784)، وابن ماجة في سننه، في كتاب الحدود، حديث (2603)، جميعهم من طريق خالد بن مهران الحذاء، عن أبي قلابة، عن شراحيل، به. وفيه:"وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ".
ويلاحظ أنَّ في رواية عائذ بن عبد الله، وعمرو بن مرثد، تقييد الكفارة بالمذكورات في الحديث، وأما رواية شراحيل بن آدة؛ ففيها إطلاق الكفارة لكل من أقيم عليه الحد، على حين خلت رواية عبدالرحمن بن عسيلة من ذكر الكفارة، وأرجأت حالته إلى مشيئة الله تعالى.
هذا وفي الباب أحاديث أخر غير حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
الأول: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ إِلَى شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ".
أخرجه الترمذي - واللفظ له - في سننه، في كتاب الإيمان، حديث (2626) وقال:"حديث حسن غريب"، والإمام أحمد في مسنده (1/ 99)، وابن ماجة في سننه، في كتاب الحدود، حديث (2604)، والحاكم في المستدرك (1/ 48) و (2/ 483) وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 423)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 328)، والطبراني في الصغير (1/ 50)، جميعهم من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن علي، به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال ابن كثير في تفسيره (2/ 54): "سُئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال: روي مرفوعاً وموقوفاً، قال: ورفعه صحيح". اهـ وانظر: العلل الواردة في الأحاديث، للدارقطني (3/ 128).
قلت: يونس بن أبي إسحاق، وإن وُثق؛ إلا أنَّ في حديثه اضطراب، خاصة عن أبيه.
قال صالح بن الإمام أحمد بن حنبل، عن علي بن المديني، سمعت يحيى - وذكر يونس بن أبي إسحاق - فقال: كانت فيه غفلة شديدة، وكانت فيه سجية، وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله - وذكر يونس بن أبي إسحاق - فضعف حديثه عن أبيه، وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: يونس بن أبي إسحاق حديثه فيه زيادة على حديث الناس، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن يونس بن أبي إسحاق فقال: حديثه مضطرب، وقال ابن مهدي: لم يكن به بأس، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: كان صدوقاً؛ إلا أنه لا يحتج بحديثه، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: له أحاديث حسان، وروى عنه الناس، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. انظر: تهذيب الكمال، للمزي
(32/ 488 - 492).
وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب من مسنده، ص (58)، حديث (87)، والبزار في مسنده (2/ 126)، حديث (483)، كلاهما من طريق أبي حمزة ثابت الثمالي، عن أبي إسحاق، به. مرفوعاً.
وثابت الثمالي: ضعيف رافضي، كما في التقريب (1/ 121 - 122).
والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص (783)، حديث (5423)، وضعيف سنن الترمذي، ص (312)، حديث (491).
وقد روي موقوفاً من قول علي رضي الله عنه: أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (4/ 425) قال: حدثنا الحسين بن غليب، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:"ألا أحدثكم حديثاً حق على كل مسلم أنْ يُوعِيَهُ؟ فقلنا: ألا تحدثنا به؟ فحدثناه أول النهار فنسيناه آخر النهار، فرجعنا إليه فقلنا: الحديث الذي ذكرت أنه حق على كل مسلم أنْ يُوعِيَهُ، فقد نسيناه فأعده، فقال: ما من مسلم يذنب ذنباً فيؤاخذه الله به في الدنيا فيعاقبه في الآخرة إلا كان الله عز وجل أعظم وأكرم أنْ يعود في عقوبته يوم القيامة، وما من عبد مسلم يذنب ذنباً فيعفو الله عز وجل عنه إلا كان الله عز وجل أحلم وأكرم من أنْ يعود فيه يوم القيامة".
وفي إسناده "عبد الملك بن أبي سليمان، العرزمي"، صدوق له أوهام؛ كما في التقريب (1/ 481).
الثاني: حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ".
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 214، 215)، والترمذي في العلل (1/ 230)، والحاكم في المستدرك (4/ 429)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 328)، والطبراني =