الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن حجر: "ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث: أنْ يُحمل الحديث على أنَّ العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولاً، وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا فمعنى قوله: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي تعملونه من العمل المقبول، ولا يضر بعد هذا أنْ تكون "الباء" للمصاحبة، أو للإلصاق، أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية". اهـ (1)
المبحث الخامس: الترجيح:
الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - أنَّ الله تعالى جعل الأعمال الصالحة سبباً لدخول الجنة، وهي في الحقيقة راجعة إلى توفيق الله تعالى وفضله؛ إذ ليس في مقدور العبد الإتيان بها لولا توفيق الله تعالى وتيسيره.
"والله تعالى قدَّر لعبده المؤمن دخول الجنة بما ييسره له من العمل الصالح، كما قدَّر دخول النار لمن يدخلها بعمله السيئ، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ: اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ". (2)
وقال: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ". (3) ". (4)
(1) فتح الباري، لابن حجر (11/ 302)، وانظر:(1/ 98) و (3/ 43).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، حديث (4949)، ومسلم في صحيحه، في كتاب القدر، حديث (2647).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب السنة، حديث (4703).
(4)
انظر: "رسالة في دخول الجنة"، ضمن مجموع بعنوان "جامع الرسائل"، لابن تيمية (1/ 146).
كما أنَّ الأعمال الصالحة لا تُفيد العبد شيئاً ما لم تكن مقبولة، فالشأن كل الشأن في القبول لا في العمل.
والذي يزيل الإشكال ويدفع التعارض بين الآيات والحديث هو حمل "الباء" في الآيات على السببية، وفي الحديث على المعاوضة، فالآيات أثبتت الأسباب، والحديث نفى وجوب الثواب، والله سبحانه أعلم بالصواب.
****