الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث:
للعلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث مسلكان:
الأول: مسلك الجمع بينهما:
وعلى هذا المسلك الأكثر من العلماء، حيث ذهبوا إلى إعمال الآية على ظاهرها، وأنَّ الله تعالى لا يُعذب أحداً من خلقه، ولا يزيد عليه في العذاب بسبب ذنب غيره، وأمَّا الحديث فأوَّلوه على غير ظاهره، وذكروا أوجهاً في معناه:
الأول: أَنَّ الله تعالى يُسقِطُ مؤاخذة المسلمين بذنوبهم حتى كأنهم لم يذنبوا، ويُضاعف على اليهود والنصارى العذاب بسبب ذنوبهم، حتى يكون عذابهم بقَدْرِ جُرْمِهم، وجُرْمِ مذنبي المسلمين لو أُخِذوا بذلك، وله تعالى أنْ يُضاعف العذاب لمن يشاء، ويخففه عمن يشاء. (1)
ذكر هذا الجواب: القاضي عياض، وابن الجوزي، وأبو العباس القرطبي، وأبو عبد الله القرطبي، والقنوجي. (2)
الوجه الثاني في معنى الحديث: أَنَّ الله تعالى يغفر ذنوب المسلمين، ويُسقطها عنهم، ويضع على اليهود والنصارى مثلها؛ بكفرهم وذنوبهم، فيُدخلهم النار بأعمالهم، لا بذنوب المسلمين، وقوله في الحديث:"ويضعها"
= الصحيحين، لابن الجوزي (1/ 418)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (7/ 201 - 202)، والتذكرة في أحوال الموتى والآخرة، للقرطبي، ص (463 - 464)، والآداب الشرعية، لابن مفلح (1/ 90)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (17/ 133)، وفتح الباري، لابن حجر (11/ 405).
(1)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (7/ 201).
(2)
انظر على الترتيب: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (8/ 271 - 272)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (1/ 418 - 419)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (7/ 201)، والتذكرة في أحوال الموتى والآخرة، للقرطبي، ص (463 - 464)، ويقظة أولي الاعتبار، للقنوجي (1/ 176).
مجاز، والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم، لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم، وأبقى على الكفار سيئاتهم، صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين، لكونهم حملوا الإثم الباقي، وهو إثمهم. (1)
ذكر هذا الجواب: ابن الجوزي، وابن مفلح، والنووي. (2)
الوجه الثالث في معنى الحديث: أنْ يكون المراد آثاماً كان للكفار سببٌ فيها، بأنْ سَنّوها، فتُسْقَطُ عن المسلمين بعفو الله تعالى، ويُوضع على الكفار مثلها، لكونهم سَنّوها، ومن سَنَّ سُنَّة سيئة كان عليه مثل وزْرِ كل من عمل بها. (3)
ذكر هذا الجواب: ابن مفلح، والنووي. (4)
الثاني: مسلك الترجيح:
حيث ذهب بعض العلماء إلى تضعيف الحديث بروايته الثالثة، كالإمام البخاري، والبيهقي، والحافظ ابن حجر.
أما البخاري فأعله بسبب الاختلاف فيه على أبي بُردة، ولأنه مُعارِضٌ لحديث الشفاعة، والذي فيه:"أَنَّ قوماً يُعذبون ثم يخرجون من النار"(5). قال: ورواة حديث الشفاعة أكثر وأبين وأشهر. (6)
وأما البيهقي فقد تقدم ذكر سبب إعلاله للحديث عند تخريجه في أول المسألة، وملخص رأيه:
- أَنَّ الحديث بلفظه الثالث هو مما تفرد به شداد أبو طلحة الراسبي،
(1) انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (17/ 133).
(2)
انظر على الترتيب: كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (1/ 419)، والآداب الشرعية، لابن مفلح (1/ 90)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (17/ 133).
(3)
انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (17/ 133).
(4)
انظر على الترتيب: الآداب الشرعية، لابن مفلح (1/ 90)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (17/ 133).
(5)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله يخرج قوماً من النار بالشفاعة". أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (191).
(6)
التاريخ الكبير (1/ 38 - 39).