الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآيات والحديث:
لم يتجاوز العلماء في هذا المسألة مسلك الجمع بين الآيات والحديث، وقد اختلفوا في الجمع على مذهبين:
الأول: مذهب إجراء الحديث على ظاهره، وتأويل الآيات.
وهذا مذهب جماعة من المحدثين منهم: عمر بن شبة (1)(2)، وأبي ذر الهروي (3)(4)، وأبي الفتح النيسابوري (5)(6)، والقاضي أبي جعفر السمناني الأصولي (7)(8)، والقاضي أبي الوليد الباجي (9).
وهو اختيار: ابن العربي، وابن الجوزي، وأبي العباس القرطبي، والطيبي، والذهبي، والآلوسي، والزرقاني. (10)
حيث ذهب هؤلاء إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده حقيقة، وأنَّ الله تعالى
= للقرطبي (3/ 637)، وتفسير القرطبي (13/ 233)، وعمدة القاري، للعيني (17/ 263)، ومناهل العرفان، للزرقاني (1/ 367).
(1)
هو: عمر بن شبة بن عبدة بن زيد بن رائطة، العلامة الإخباري الحافظ الحجة، صاحب التصانيف، أبو زيد النميري البصري النحوي، نزيل بغداد، كان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس، وله تصانيف كثيرة، منها (أخبار المدينة)، و (أخبار مكة)، وغيرها، وكان قد نزل في آخر عمره بِسُرَّ من رأى وتوفي بها سنة (262هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 373).
(2)
انظر: غاية السول في خصائص الرسول، للأنصاري (1/ 133)، والتلخيص الحبير، لابن حجر (3/ 127)، والخصائص الكبرى، للسيوطي (2/ 409)، والتراتيب الإدارية، للكتاني (1/ 173).
(3)
هو: عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير، أبو ذر الأنصاري الهروي: عالم بالحديث وأحد الحفاظ، من فقهاء المالكية. يقال له: ابن السماك. أصله من هراة. نزل بمكة، ومات بها سنة (434هـ). له تصانيف، منها (تفسير القرآن) و (المستدرك على الصحيحين) و (السنة والصفات) و (معجمان) أحدهما فيمن روى عنهم الحديث، والثاني فيمن لقيهم ولم يأخذ عنهم. انظر: الأعلام، للزركلي (3/ 269).
(4)
انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (6/ 151)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (3/ 637)، وفتح الباري، لابن حجر (7/ 575).
(5)
لم أقف على ترجمته.
(6)
انظر: غاية السول في خصائص الرسول، للأنصاري (1/ 133)، وفتح الباري، لابن حجر (7/ 575).
(7)
هو: محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، السِّمْناني الحنفي، العلامة قاضي الموصل أبو جعفر، لازم ابن الباقلاني حتى برع في علم الكلام، مات سنة (444هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (17/ 651).
(8)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (3/ 637)، والتلخيص الحبير، لابن حجر (3/ 128).
(9)
تحقيق المذهب، لأبي الوليد الباجي، ص (170 - 240).
(10)
انظر على الترتيب: عارضة الأحوذي، لابن العربي (8/ 154)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (2/ 249)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (3/ 637)، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح (8/ 79)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي (14/ 190 - 191)، وروح المعاني، للآلوسي (21/ 9)، ومناهل العرفان، للزرقاني (1/ 367).
أجرى ذلك على يده؛ إما بأنْ كتب ذلك وهو غيرُ عالمٍ بما يَكْتُب، أو أنَّ الله تعالى عَلَّمَه ذلك حينئذٍ حتى كتب، ورأوا أنَّ ذلك غير قادحٍ في كونه أميَّاً، ولا مُعارضٌ لقوله تعالى:(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)، ولا لقوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ"(1)، بل رأوه زيادة في معجزاته، واستظهاراً على صدقه وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم للكتابة، ولا تعاطٍ لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها "ابن عبد الله" لمن قرأها، فكان ذلك خارقاً للعادة، كما أنه عليه السلام عَلِمَ عِلْمَ الأولين والآخرين من غير تَعَلُّمٍ ولا اكتساب، فكان ذلك أبلغ في معجزاته، وأعظم في فضائله، ولا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة:"وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ" فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال كَتَب.
قال أبو العباس القرطبي: "وقد أنكر هذا كثير من متفقهة الأندلس وغيرهم، وشددوا النكير فيه، ونسبوا قائله إلى الكفر، وذلك دليل على عدم العلوم النظرية، وعدم التوقف في تكفير المسلمين، ولم يتفطنوا أنَّ تكفير المسلم كقتله، على ما جاء عنه عليه السلام في الصحيح (2)، لا سيما رَمْي من شهد له أهل عصره بالعلم والفضل والإمامة، على أنَّ المسألة ليست قطعية، بل مستندها ظواهرُ أخبارِ أحادٍ صحيحة، غير أنَّ العقل لا يحيلها، وليس في الشريعة قاطع يحيل وقوعها". اهـ (3).
ومراد أبي العباس القرطبي هو ما جرى لأبي الوليد الباجي، فإنه لما
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الصوم، حديث (1913)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (1080).
(2)
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ - حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب، حديث (6047).
(3)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (3/ 637)، وانظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (6/ 152)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (12/ 192)، وتفسير القرطبي (13/ 233 - 234).
تكلم في حديث الكتابة يوم الحديبية (1) وقال بظاهره، طعن عليه جماعة من علماء عصره، ورموه بالزندقة، لاعتقادهم أنَّ هذا القول فيه قدح بمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فألفَّ الباجي رسالته المسماة بـ"تحقيق المذهب"، وبيَّن فيها أنَّ هذا القول لا يقدح بالمعجزة. (2)
وقد ساق قصةَ الباجي هذه القاضي عياض، فقال: "ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري قال بظاهر لفظه فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ (3) وكفَّرَه بإجازة الكَتْبِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأميّ، وأنَّه تكذيبٌ بالقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبَّحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجُمَع، وقال شاعرهم:
بَرِئْتُ ممن شَرَى دُنْياً بآخرَة
…
وقال إنَّ رسولَ اللهِ قد كَتَبَا
فصنف أبو الوليد رسالةً بيَّن فيها أنَّ ذلك غير قادحٍ في المعُجزة". اهـ (4)
وأجاب أصحاب هذا المذهب عن الآيات:
بأنَّ نفي الكتابة في الآية المقصود به الحال التي قبل النبوة؛ لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)، وأما بعد النبوة فليس في الآية ما يدل على امتناعه، والنبي صلى الله عليه وسلم صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها، وعدم معرفته كان بسبب المعجزة، فلما نزل القرآن، واشتهر الإسلام، وكثر المسلمون، وظهرت المعجزة، وأُمِنَ الارتياب في ذلك، عرف حينئذ الكتابة.
(1) الحُدَيْبِيّّة: هي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، وسميت الحديبية بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع، وبين الحديبية ومكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل، وبعض الحديبية في الحل، وبعضها في الحرم، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية ووادع المشركين لمضي خمس سنين وعشرة أشهر للهجرة النبوية. انظر: معجم البلدان، لياقوت الحموي (2/ 229).
(2)
انظر: التلخيص الحبير، لابن حجر (3/ 127).
(3)
لم أقف على ترجمته.
(4)
ترتيب المدارك، للقاضي عياض (4/ 804 - 806)، وانظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (18/ 540).
وأمَّا كونه أمّياً فليس في معرفته للكتابة ما يقدح في أمّيته؛ إذ ليست المعجزة مجرد كونه أمياً؛ فإن المعجزة حاصلة بكونه صلى الله عليه وسلم كان أولاً كذلك ثم جاء بالقرآن وبعلوم لا يعلمها الأميون.
ذكر هذا الجواب: أبو الوليد الباجي، وابن العربي، وابن الجوزي، وأبو العباس القرطبي. (1)
وأجاب الذهبي: "بأنَّ ما كلّ من عرف أنْ يكتب اسمه فقط يخرج عن كونه أمياً؛ لأنه لا يسمى كاتباً، وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ" (2) أي أكثرهم كذلك لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)) [الجمعة: 2] ". اهـ (3)
واعتُرِضَ على هذه الأجوبة: بأنَّ كتابته صلى الله عليه وسلم تكون آية إذا لم تكن مناقضةً لآية أخرى، وهي كونه أمياً لا يكتب، وبكونه أمياً في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة، فكيف يُطْلِق الله يدَه لتكون آية؟ وإنما الآية أنْ لا يكتب، والمعجزات يستحيل أنْ يدفع بعضها بعضاً. (4)
أدلة هذا المذهب:
استدل القائلون بإثبات الكتابة للنبي صلى الله عليه وسلم بأدلة منها (5):
(1) انظر على الترتيب: تحقيق المذهب، للباجي، ص (187 - 192)، وعارضة الأحوذي، لابن العربي
(8/ 154)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (2/ 249)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (3/ 637)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (12/ 192)، والتلخيص الحبير (3/ 126)، وفتح الباري (7/ 576)، كلاهما لابن حجر.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الصوم، حديث (1913)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (1080).
(3)
تذكر الحفاظ، للذهبي (3/ 1181 - 1182)، وانظر: سير أعلام النبلاء، له (14/ 190).
(4)
انظر: الروض الأنف، للسهيلي (4/ 50).
(5)
انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (6/ 151)، والتلخيص الحبير، لابن حجر (3/ 126 - 127).
1 -
رواية البخاري: "وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ"، وهي صريحة في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بنفسه، ويعضدها ويقويها رواية مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم محا "رسول الله"، وكتب "ابن عبد الله".
2 -
حديث عبد الله بن عتبة (1) قال: "مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَتَبَ وَقَرَأ". (2)
3 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ". (3)
ووجه الدلالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ المكتوب على باب الجنة، والقدرة على القراءة يدل على معرفة الكتابة.
واعتُرِضَ على هذا الدليل: باحتمال إقدار الله له على ذلك بغير تَقْدُمَةِ معرفة الكتابة، وهو أبلغ في المعجزة، وباحتمال أنْ يكون حُذِفَ من الحديث شيء، والتقدير: فسألت عن المكتوب فقيل لي: هو كذا. (4)
4 -
حديث سهل بن الحنظلية (5): "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر معاوية أنْ يكتب للأقرع بن حابس (6)، وعيينة بن حصن (7)، قال عيينة: أتراني أذهب إلى قومي بصحيفة كصحيفة الْمُتَلَمِّسِ (8)؟!
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال:
(1) هو: عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، كان صغيراً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظ عنه يسيراً، قال أبو عمر ابن عبد البر: ذكره العقيلي في الصحابة وغلط إنما هو تابعي. وقال الحافظ ابن حجر: المعروف أن أباه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن البرقي فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه رواية، وقد اتفقوا على ثقته، وكان فقيهاً كثير الحديث والفتيا (ت: 74هـ). انظر: الإصابة، لابن حجر (4/ 166).
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 42)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 103)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 189 - 190)، جميعهم من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل، ثنا مجالد بن سعيد، حدثني عون بن عبد الله، عن أبيه، به.
قال البيهقي: "هذا حديث منقطع، وفي رواته جماعة من الضعفاء والمجهولين". اهـ
وضعفه الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 428)، وفي "الفصول في اختصار سيرة الرسول"(1/ 265)، وحكم عليه بالوضع: الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 518).
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه، في كتاب الأحكام، حديث (2431)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، حديث (3083)، ص (453).
(4)
انظر: التلخيص الحبير، لابن حجر (3/ 126).
(5)
هو: سهل بن الحنظلية، واسم أبيه الربيع، وقيل: عبيد، وقيل: عقيب بن عمرو، وقيل: عمرو بن عدي، وهو الأشهر، وعدي هو ابن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، قال ابن أبي خيثمة: والحنظلية أمه، وقيل: جدته، وقيل: أم جده، شهد أحداً وما بعدها ثم تحول إلى الشام حتى مات بها في صدر خلافة معاوية بن أبي سفيان. انظر: الإصابة، لابن حجر (3/ 196).
(6)
هو: الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدرامي، قال ابن إسحاق: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنيناً والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم، وقد حسن إسلامه، وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام، واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيَّرَهُ إلى خراسان فأصيب بالجوزجان هو والجيش، وذلك في زمن عثمان. انظر: الإصابة، لابن حجر (1/ 101).
(7)
هو: عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الفزاري، أبو مالك، يقال: كان اسمه حذيفة فلقب عيينة لأنه كان أصابته شجة فجحظت عيناه، قال ابن السكن: له صحبة وكان من المؤلفة، ولم يصح له رواية، أسلم قبل الفتح وشهدها، وشهد حنيناً والطائف، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر ومال إلى طلحة فبايعه، ثم عاد إلى الإسلام. انظر: الإصابة، لابن حجر (4/ 767).
(8)
قوله: "كصحيفة المتلمس": الصحيفة الكتاب، والمتلمس شاعر معروف، واسمه عبد المسيح بن جرير، كان قدم هو وطرفة الشاعر على الملك عمرو بن هند فنقم =
قد كُتِبَ لك بالذي أمرتُ لك به". (1)
ووجه الدلالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نظر في المكتوب وعرفه؛ فدل على معرفته بالقراءة، والكتابة فرع عنها.
واعترض أصحاب المذهب الثاني على هذه الأدلة بأنها ضعيفة كلها، عدا رواية البخاري، وسيأتي الجواب عنها. (2)
الثاني: مذهب إعمال الآيات على ظاهرها، وتأويل الحديث.
وهذا مذهب الجمهور من العلماء (3)، منهم: ابن حبان، والبيهقي، وابن التين، والنووي، والبغوي، والسهيلي، وابن عطية، وأبو عبد الله القرطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر، والعيني، والسيوطي،
= عليهما أمراً؛ فكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين يأمره بقتلهما وقال: إني قد كتبت لكما بجائزة .. فاجتازا بالحيرة، فأعطى المتلمس صحيفته صبياً فقرأها فإذا فيها يأمر عامله بقتله، فألقاها في الماء ومضى إلى الشام، وقال لطرفة: افعل مثل فعلي فإن صحيفتك مثل صحيفتي، فأبى عليه ومضى بها إلى العامل، فأمضى فيه حكمه وقتله، فَضُرِبَ بهما المثل. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 13).
(1)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 24)، من طريق مسكين بن بكير، عن محمد بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السلولي، عن سهل، به.
وفي إسناده "مسكين بن بكير الحراني" صدوق يخطيء، كما في التقريب (2/ 205)، وقال أبو أحمد الحاكم: كان كثير الوهم والخطأ. انظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر (10/ 109).
وأخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الزكاة، حديث (1629)، من طريق عبد الله بن محمد النفيلي، عن محمد بن المهاجر، به. وليس فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الكتاب، ولفظه:"وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَكَانَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتُرَانِي حَامِلًا إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لَا أَدْرِي مَا فِيهِ كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ. فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
وهذا اللفظ هو المحفوظ في الحديث، فقد رواه الإمام أحمد في مسنده (4/ 180)، من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة، به. وفيه:"فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِمَا". وليس فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ المكتوب أو نظر فيه. ورجال أحمد رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد، للهيثمي (3/ 96).
(2)
انظر: فتح الباري، لابن حجر (7/ 575).
(3)
حكاه مذهب الجمهور: القاضي عياض في "إكمال المعلم"(6/ 151)، والحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 575).
والملا علي القاري، والألباني، وابن عثيمين. (1)
ويرى أصحاب هذا المذهب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب، ولم يكن يُحْسِنُ الكتابة، كما هو صريح الآيات، وأنه لم يزل كذلك مدة حياته صلى الله عليه وسلم.
وأجابوا عن حديث البراء رضي الله عنه، والذي يُوهِمُ ظاهره أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده: بأنَّ القصة رُويت من طرق أخرى، وفيها أن الكاتب كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقع ذلك في رواية أخرى للبخاري - من حديث البراء - بلفظ:"لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَهُمْ كِتَابًا فَكَتَبَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"(2)، فتُحمل الرواية الأولى، وهي قوله:"فكتب"، أي فأمر الكاتب، ويَدُلُّ عليه حديث أنس بن مالك، والمسور بن مخرمة، في القصة نفسها؛ ففيهما:"فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ"(3).
قالوا: وقد ورد في كثير من الأحاديث إطلاق لفظ "كتب" بمعنى أمر، منها:
حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر (4)، وحديثُ كتابته صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، وحديثُ كتابته إلى كسرى (5)، وحديثُ عبد الله بن
(1) انظر على الترتيب: صحيح ابن حبان (11/ 229)، والسنن الكبرى، للبيهقي (7/ 42)، وفتح الباري، لابن حجر (7/ 576)، وفيه النقل عن ابن التين، وروضة الطالبين، للنووي، ص (1164)، والتلخيص الحبير، لابن حجر (3/ 126)، وفيه النقل عن البغوي، والروض الأنف، للسهيلي
(4/ 50)، والمحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 322)، وتفسير القرطبي (13/ 234)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (25/ 172)، وتفسير ابن كثير (3/ 427)، وفتح الباري، لابن حجر (7/ 575)، وعمدة القاري، للعيني (13/ 276)، والإكليل في استنباط التنزيل، للسيوطي (3/ 1086)، ومرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (7/ 578)، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني (1/ 518)، وتفسير سورة "يس"، لابن عثيمين، ص (243).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الصلح، حديث (2698).
(3)
تقدم تخريجه في أول المسألة.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجهاد والسير، حديث (2936).
(5)
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ =