الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشاركون آل فرعون في العذاب الأشد، وأنَّ آل فرعون غير مختصين بهذا العذاب، وهذا يُوهِمُ التعارض بين الآية والأحاديث. (1)
المبحث الرابع: المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآية والأحاديث:
لم يتجاوز العلماء في هذه المسألة مسلك الجمع بين الآية والأحاديث، ولهم في الجمع مذاهب:
الأول: أَنَّ الأشدِّية في الآية والأحاديث إنما هي باعتبار جنس المُعَذَّبين، لا باعتبار جنس العذاب، ففرعون أشد الناس عذاباً باعتبار المُدَّعين للإلهية، والمصورون أشد الناس عذاباً بالنسبة إلى غيرهم ممن لا يُصَوِّر، أو يُصَوِّرُ ولكن لغير العبادة، وهكذا.
وهذا مذهب: أبي العباس القرطبي، وأبي المحاسن الحنفي، والمناوي، وابن عثيمين. (2)
قال أبو العباس القرطبي: "قوله: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ" يقتضي أنْ لا يكون في النار أحدٌ يزيد عذابه على عذاب المصورين، وهذا يُعارضه قوله تعالى: (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام ضلالة"، وأشباه ذلك، ووجه التوفيق: أَنَّ الناس الذين أُضيف إليهم أشد لا يُراد بهم كلُّ نوعِ الناس، بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المُتَوعّد عليه بالعذاب؛ ففرعون أشد المدعين للإلهية عذاباً، ومن يُقتدى به في ضلالة كفر أشد ممن يُقتدى به في
(1) انظر حكاية التعارض في الكتب الآتية: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (5/ 430)، وفتح الباري، لابن حجر (10/ 396 - 397)، وعمدة القاري، للعيني (12/ 39)، وفيض القدير، للمناوي (1/ 516 - 517)، والقول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (3/ 209).
(2)
انظر على الترتيب: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (5/ 431)، ومعتصر المختصر، لأبي المحاسن الحنفي (2/ 237)، وفيض القدير، للمناوي (1/ 517)، والقول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (3/ 209).
ضلالة بدعة، والمصورون الذين يصورون الأصنام للعبادة - كما كانت الجاهلية تفعل، وكما يفعل النصارى - أشد عذاباً ممن يصورها لا للعبادة، وهكذا يعتبر هذا الباب". اهـ (1)
وقال أبو المحاسن الحنفي: "الصواب أنْ لا تعارض بين الأحاديث والآية، بل بعضها مخصصٌ للبعض؛ لأن التعارض إنما يكون في النصوص التي لا يمكن الجمع بينها، ولو جاءت هذه الأحاديث في نسق واحد لما تناقض الكلام، ويكون معنى الآية والأحاديث: أشد الناس عذاباً من الكفار: آل فرعون، أو من قتل نبياً أو قتله نبي، وأشد الناس عذاباً من المسلمين إمام ضلالة، أو مُشَبِّهٌ بخلق الله
…
". اهـ (2)
وقال ابن عثيمين: "الأشدية نسبية، يعني أَنَّ المصورين أشد الناس عذاباً بالنسبة للعصاة الذين لم تبلغ معصيتهم الكفر، لا بالنسبة لجميع الناس". اهـ (3)
المذهب الثاني: أَنَّ الأشدية في الآية إنما هي باعتبار جنس العذاب، والمعنى: أَنَّ آل فرعون هم أشد الناس عذاباً بالنسبة لنوع العذاب الذي هم فيه.
وهذا مذهب الإمام أحمد. (4)
المذهب الثالث: أَنَّ الآية ليس فيها ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشد العذاب، بل هم في العذاب الأشد، وغيرهم - ممن يستحق مثل هذا العذاب - مشارك لهم في العذاب الأشد.
ذكر هذا الجواب الحافظ ابن حجر. (5)
(1) المفهم (3/ 431)، باختصار.
(2)
معتصر المختصر (2/ 237)، باختصار وتصرف يسير.
(3)
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/ 282).
(4)
الرد على الزنادقة والجهمية، للإمام أحمد (1/ 15).
(5)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 397).