الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ورَاثَةِ مَالِهِ حِينَ قَالَ: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ". (1) فهذا يدل على أَنَّ الأنبياء يُورَثون المال. (2)
وتُعُقِّبَ: بأنَّ الحديث لا يصح.
المذهب الثالث: أَنَّ الحديث محمولٌ على أَنَّ ذلك هو الغالب من فعل الأنبياء وسِيرَتِهم، ولا ينفي أَنْ يكون هناك من يُورَث، كزكريا عليه السلام.
وهذا مذهب القاضي ابن عطية، حيث قال - في تفسير قوله تعالى:(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) -: "والأكثر من المفسرين على أنَّه أراد وراثة المال (3)، ويَحتَمِلُ قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ" أَنْ لا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم فتأمله، والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أَنْ يريد وراثة العلم والدين، فتكون الوراثة مستعارة
…
". اهـ (4)
وقال: "ويَحتَمِلُ قوله عليه السلام: "إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ" أَنْ يُريد به أَنَّ ذلك من فعل الأنبياء وسيرتهم، وإنْ كان فيهم من وُرِثَ ماله كزكريا على أشهر الأقوال فيه، وهذا كما تقول: إنا معشر المسلمين إنما شغلنا العبادة، فالمراد أَنَّ ذلك فيه فعل الأكثر". اهـ (5)
المبحث الخامس: الترجيح:
الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - هو مذهب الجمهور: بأنَّ الأنبياء جميعاً لا يُورَثون، وقد دلَّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ"،
(1) أخرجه ابن جرير في تفسيره (8/ 308)، عن الحسن مرسلاً، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (3/ 3)، عن قتادة مرسلاً، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن جرير في تفسيره (8/ 308). قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 118):"وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح".
(2)
انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (21/ 157)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (16/ 66).
(3)
الأصح أن الأكثر من المفسرين على أنه أراد وراثة النبوة والعلم، وقد تقدم نقل ذلك في أول المسألة.
(4)
المحرر الوجيز (4/ 5).
(5)
المصدر السابق (4/ 253).
وهو نصٌ صحيحٌ صريحٌ، وَرَدَ بصيغة العموم في جميع الأنبياء، ومثلُ هذا لا يحتمل التخصيص.
وأَحْسَنُ ما يُجْمَعُ به بين الآيات والأحاديث: أن تُحْمَل الوراثة في الآيات على معنى وراثة العلم، دون المال، أو النبوة.
أمَّا المال فقد تقدَّم بيانُ المانع من حمل الآيات على هذا المعنى.
وأمَّا النبوة فإنَّ الأنبياء لا يتوارثونها؛ وإنَّما هي اصطفاء من الله تعالى، كما قال سبحانه:(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)) [الحج: 75]؛ فلم يَبْقَ إلا وراثة العلم، وهي التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتوارثها، في قوله:"إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ"(1)، والله تعالى أعلم.
****
(1) تقدم تخريجه في أثناء المسألة.