الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة [29]: في انتفاع الأموات بسعي الأحياء
.
المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة:
قال الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)) [النجم: 39].
المبحث الثاني: ذكر الأحاديث التي يُوهِمُ ظاهرها التعارض مع الآية:
(61)
ـ (52): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ (1) نَفْسُهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، تَصَدَّقْ عَنْهَا". (2)
(1) افْتُلِتَتْ: أي ماتت فجأة، وأُخِذَتْ نفسها فلته. يُقال: افْتَلتَه إذا استلبه، وافْتُلِتَ فلانٌ بكذا، إذا فُوجئ به قبل أنْ يستعد له. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 467).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الوصايا، حديث (2760)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الوصية، حديث (1004). واللفظ للبخاري.
وفي الباب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الوصايا، حديث (2756).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ". أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الوصية، حديث (1630).
(62)
ـ (53): وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ". (1)
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الصوم، حديث (1952)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (1147).
وفي الباب عن بريدة بن الحصيب، وابن عباس رضي الله عنهما:
أما حديث بريدة: فأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (1149)، عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ:"بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. قَالَ: فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا. قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا".
وأما حديث ابن عباس؛ فقد رُوي عنه من طريقين:
الأول: طريق عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، به.
وفيه أن السؤال وقع عن نذر مطلق، ولم يُقَيَّد بصوم أو حج.
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الوصايا، حديث (2761)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (1638)، كلاهما من طريق ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ؟ فَقَالَ: اقْضِهِ عَنْهَا".
الثاني: طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.
وقد اضطرب الرواة في نقله؛ ومن هذا الاضطراب وقع الخلاف بين العلماء - في حكم الصوم عن الميت - وسأذكر طرق الحديث، وبيان اختلاف ألفاظه، ووجه الجمع أو الترجيح بينها:
اللفظ الأول: وفيه أن السؤال وقع عن صوم شهر، دون تحديد لنوع الصوم، ولا لنوع الشهر.
جاء ذلك من رواية زَائِدَة، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: َ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى".
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الصوم، حديث (1953)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (155) - (1148).
وقوله: "جاء رجل" هكذا رواه زائدة، وتابعه عبثر بن القاسم، وموسى بن أعين، وروايتهما عند النسائي في السنن الكبرى (2/ 173 - 174)، والجراح بن الضحاك، وروايته عند الطبراني في المعجم الكبير (12/ 15)، وخالفهم: عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وأَبُو مُعَاوِيَةَ، ويَحْيَى بْنُ سَعِيد، فرووه عن الأعمش: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: "إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ".
أخرج رواية عيسى بن يونس: مسلم في صحيحه، في كتاب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الصيام، حديث (154) - (1148).
وأخرج رواية يحيى بن سعيد، وأبي معاوية: البخاري - تعليقاً - في صحيحه، في كتاب الصوم، حديث (1953)، ووصله عنهما الإمام أحمد في مسنده (1/ 224) و (1/ 227)، وأبو داود في سننه، في كتاب الأيمان والنذور، حديث (3310).
ورُوي من طرق أخرى عن سعيد بن جبير، وليس فيها أن السائل رجل، وسيأتي ذِكْرُ بعضٍ منها.
اللفظ الثاني: وفيه أن السؤال وقع عن صوم شهرين متتابعين.
جاء ذلك من رواية أَبي خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَ: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَحَقُّ اللَّهِ أَحَقُّ".
أخرجه الترمذي في سننه، في كتاب الصوم، حديث (716)، وأخرجه ابن ماجة في سننه، في كتاب الصيام، حديث (1758)، بالإسناد نفسه؛ إلا أنه زاد: عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد، وعطاء، ومجاهد، به.
وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (155) - (1148)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ .... ، فذكره بإسناده، ولم يسق متنه.
وأخرجه أبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم (3/ 224)، من طريق أبي سعيد الأشج، بسنده ومتنه.
قال الترمذي: "سَمِعْت مُحَمَّدًا - يعني البخاري - يَقُولُ: جَوَّدَ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْأَعْمَشِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ رَوَى غَيْرُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ الْأَعْمَشِ، مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ.
قَالَ الترمذي: وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، ٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ، وَلَا عَنْ عَطَاءٍ، وَلَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَاسْمُ أَبِي خَالِدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ حَبَّانَ". اهـ
قلت: في رواية أبي خالد هذه علتان:
الأولى: قوله: "إنَّ أختي"، وقوله:"شهرين متتابعين":
أما قوله: "شهرين متتابعين" فلم يُتابعه عليها أحد، إلا ما رواه أحمد بن علي بن ثابت البغدادي في كتابه "الفصل للوصل المدرج"(2/ 889)، فإنه رواه من طريق إبراهيم بن محمد الفزاري، عن الأعمش، به.
وأما قوله: "أختي" فقد تابعه مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - ولكن بسياق مختلف - عن شُعْبَةَ، عن الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:"رَكِبَتْ امْرَأَةٌ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصُومَ، فَأَتَتْ أُخْتُهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا". أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 338)، وكذا رواه عمرو بن مرزوق، عن شعبة، كما عند الطبراني في المعجم الكبير (12/ 14)، ورواه أبو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= داود الطيالسي في مسنده (1/ 342)، عن شعبة، في قصة البحر أيضاً، ويبدو أن رواية البحر قصة أخرى، وما رواه أبو خالد في حديث ابن عباس المتقدم، قصة مغايرة لهذه، وذكره للأخت هو مما تفرد به في هذه القصة، إذ سائر الرواة على خلاف روايته، كما تقدم في بعض الطرق، وكما سيأتي في بقية الطرق الأخرى.
العلة الثانية: أنه اضطرب في إسناد الحديث، فجمع بين شيوخ الأعمش الثلاثة، مسلم البطين، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة، فحدث به عنه عنهم عن شيوخٍ ثلاثة، فيُحتمل أن كل واحد من شيوخ الأعمش حدث عن الثلاثة، ويحتمل أن يكون شيخ الحكم عطاء، وشيخ البطين سعيداً، وشيخ سلمة مجاهداً.
وقد رواه على الصواب عبد الرحمن بن مغراء، فرواه عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وعن سلمة بن كهيل، عن مجاهد، عن ابن عباس. وعن الحكم بن عتيبة، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتته امرأة فقالت: إنَّ أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال:"أرأيت لو كان عليها دين، أكنت تقضينه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يُقضى". أخرجه النسائي في السنن الكبرى (2/ 174).
قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، ص (20 - 21):"وقد تفرد أبو خالد - سليمان بن حبان الأحمر بهذا السياق - وخالف فيه الحفاظ من أصحاب الأعمش". اهـ
وقال في تغليق التعليق (3/ 193): "والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كبير جداً، والاضطراب موجب للضعف، إذا تساوت وجوه الاضطراب، لكن اعتمد الشيخان رواية زائدة لحفظه، فرجحت على باقي الروايات، هكذا سمعت شيخنا الحافظ أبا الفضل بن الحسين يقول لما سألته عنه". اهـ
اللفظ الثالث: وفيه أن السؤال وقع عن صوم خمسة عشر يوماً.
جاء ذلك من رواية أَبي حَرِيزٍ، عَنْ عِكْرِمَة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إنَّ أمي ماتت وعليها صوم خمسة عشر يوماً. قال: "أرأيت لو أن أمك ماتت وعليها دين، أكنت قاضيته؟ قالت: نعم. قال: اقضي دين أمك".
أخرجه البخاري - معلقاً - في صحيحه، في كتاب الصوم، حديث (1953)، ووصله ابن خزيمة في صحيحه (3/ 271)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 256).
ولم يأتِ ذكر "خمسة عشر يوماً" إلا من هذه الطريق.
اللفظ الرابع: وفيه أن السؤال وقع عن صوم شهر رمضان.
جاء ذلك من رواية ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ الْأَعْمَشَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ:"أَرَأَيْتَكِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ عز وجل أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى".
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 362)، إلا أن ابن نُمَيْرٍ لم يتابع في قوله:"رمضان"، خالفه زائدة، وعيسى بن يونس، وأبو معاوية، ويحيى بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سعيد، فقالوا جميعاً:"صوم شهر"، وقد تقدم تخريج الطرق عنهم.
اللفظ الخامس: وفيه أن السؤال وقع عن صوم نذر.
جاء ذلك من رواية عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عن الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ:"أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ".
أخرجه البخاري - معلقاً - في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (1935)، وأخرجه - موصولاً - مسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (156) - (1148).
ورُوي بلفظ آخر من طريق مُحَمَّد بْنِ جَعْفَرٍ، عن شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ (الأعمش) يُحَدِّثُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:"رَكِبَتْ امْرَأَةٌ الْبَحْرَ، فَنَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصُومَ، فَأَتَتْ أُخْتُهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا". أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 338)، والنسائي في السنن الصغرى، في كتاب الأيمان والنذور، حديث (3816).
اللفظ السادس: وفيه أن السؤال وقع عن نذر حج.
جاء ذلك من رواية أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، به.
وقد اختُلف فيه على أبي بشر، فرواه شعبة، عنه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأيمان والنذور، حديث (6699).
ورواه أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحج، حديث (1852)، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، حديث (7315).
ورُوي من طريق آخر عن ابن عباس ولم يُخْتَلف عليه فيه، جاء ذلك من رواية أَبي التَّيَّاحِ (يزيد بن حميد)، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: أَمَرَتْ امْرَأَةُ سِنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيَّ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمِّهَا تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تَحْجُجْ، أَيُجْزِئُ عَنْهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عَنْهَا أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْ أُمِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلْتَحْجُجْ عَنْ أُمِّهَا". أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 279)، والنسائي في السنن الصغرى، في كتاب مناسك الحج، حديث (2633). =
(63)
ـ (54): وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ (1) جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ". (2)
= ووقع عند النسائي "سنان بن سلمة"، والصواب "سنان بن عبدالله"، كما صَوَّبَ ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 78).
النتيجة:
وبعد هذا الاستطراد في ذكر طرق الحديث وألفاظه يحسن بنا ذكر النتيجة والخلاصة من ذلك:
رُوي حديث ابن عباس من ثلاث طرق:
الأول: طريق عبيد الله بن عبد الله، عنه. وفيه أن السؤال وقع عن نذر مطلق، ولم يُختلف فيه على عبيد الله.
والثاني: طريق موسى بن سلمة، عن ابن عباس. وفيه أن السؤال وقع عن امرأة لم تحج، ولم يُختلف فيه على موسى بن سلمة.
والثالث: طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وقد اضطرب الرواة في نقله عن سعيد بن جبير، فمنهم من قال: إنَّ السائل امرأة. ومنهم من قال: رجل: ومنهم من قال: إنَّ السؤال وقع عن نذر. ومنهم من فسره بالصوم. ومنهم من فسره بالحج. وقد رجح الإمام ابن عبد البر في التمهيد
(9/ 26 - 27)، وتبعه الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 230) أن للحديث قصتين، وأيد الحافظ ذلك: بأن السائلة في نذر الصوم خثعمية، كما في رواية أبي حريز، والسائلة عن نذر الحج جهنية، كما في رواية أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير. قال:"وقد روى مسلم - من حديث بريدة - أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معاً. قال: وأما الاختلاف في كون السائل رجلاً أو امرأة، والمسؤل عنه أختاً أو أماً فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث؛ لأن الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت، ولا اضطراب في ذلك". اهـ
وسيأتي ذكر مناقشة العلماء لهذا الحديث، وسأبين رأيي فيه في مبحث الترجيح، إن شاء الله تعالى.
(1)
جُهَيْنَةُ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ مُصَغَّرًا - هُمْ: بَنُو جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ أَسْوَدَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي قُضَاعَةَ، فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُمْ مِنْ حِمْيَرَ، فَيَرْجِعُ نَسَبُهُمْ إِلَى قَحْطَانَ. وَقِيلَ: هُمْ مِنْ وَلَدِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. انظر: فتح الباري، لابن حجر (6/ 627 - 628).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحج، حديث (1852). وفي الباب عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، وقد تقدم.