الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الباب
مر معنا من قبل فضل الصلاة عامة وفضل الصلوات الخمس خاصة، ثم ذكرنا ما له علاقة بشروط الصلاة وهيئتها وما يتصل فيها من أركان وواجبات وسنن وآداب ومكروهات ومفسدات، وذلك ليس مرتبطاً بالصلوات الخمس فقط بل مرتبط كذلك بالنوافل والوتر وصلاة الجمعة وصلاتي العيدين وصلاة الاستسقاء وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاتي الخسوف والكسوف وصلوات أخرى، مع اختلاف بسيط سنراه في مناسباته.
وقد شرع لنا الأذان والإقامة- وقد مرتا معنا- وهما مرتبطان بالصلوات الخمس، وصلاة الجمعة وهي إحدى الصلوات الخمس في يومها- إذا أديت بشروطها- وهي لمن صلاها تسقط عنه فريضة الظهر لأنها في حقها فريضة الوقت.
والأذان في الأصل دعوة إلى الصلاة في المسجد جمعة وجماعة، ولذلك ستكون فصول الباب الخامس مخصصة للمساجد والجماعة والجمعة.
فعمارة المساجد حساً ومعنى من أرقى عبادات الإسلام، قال تعالى:
(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله)(1).
فمن اجتمعت له هذه الشؤون فهو الذي يعمر مساجد الله حقاً، ومن ليس كذلك فعمارته لمساجد الله ضعيفة.
والعمارة تكون بتشييد المساجد، وبحضور الجماعة والجمعة فيها، وبحضور مجالس الذكر والعلم، وبإقامة ذلك كله.
وعمارة المسجد بها حياة الإسلام وحيويته ولذلك فإن على أهل العلم والدعوة والتربية أن يركزوا عليها.
(1) التوبة: من 18.
وتجربة العصور تقول:
حيثما وجد الالتصاق بالمسجد والتربية المسجدية من قبل الربانيين فذلك مظنة الثقافة الإسلامية وسلامة السلوك ونظافة العقل وطهارة الجسد، وحيثما ابتعدت التربية والتعليم عن أجواء المساجد وعن العلماء الربانيين ضعف الأمر، لذلك فإنني أدعو أن يوجد لكل جامع ومسجد مجلس مهمته إحياء المسجد بالعلم والذكر.
ولقد ذكرنا في كتابنا (تربيتنا الروحية) آيات: (الله نور السموات والأرض
…
) (1) وذكرنا هناك أن ذلك النوع من القلوب المشار إليه في قوله تعالى: (المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة)(2)، أن هذا النوع من القلوب مظنة وجوده رواد المساجد بدليل قوله تعالى:(في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)(3).
والأصل أن تؤدى في المسجد الفرائض جماعة وصلاة الجمعة، وأما النوافل فالأصل فيها أن تؤدى في البيوت إلا تحية المسجد وصلاة الكسوف وصلاة التراويح.
وأما صلاتا العيدين فالأصل فيهما الخروج إلى مصلى العيد فإن لم يكن ففي المسجد وبشكل عادي فإن صلوات المعتكف كلها تكون في المسجد.
إن المساجد والأذان والإقامة والجمعة والجماعة من شعائر الإسلام، (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)(4).
(1) النور: من 35.
(2)
النور: من 35.
(3)
النور 36: 37.
(4)
الحج: 32.
وهناك مساجد لها خصوصية هي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد قباء وسنتحدث عن هذا الموضوع في جزء الحج والعمرة.
والمسجد والجمعة والجماعة مظاهر حيوية الإسلام واستمراره في الأمة الإسلامية ولذلك فلابد من العناية بالمساجد والاهتمام بصلاة الجماعة، والتركيز على صلاة الجمعة، والاستفادة بأقصى ما يكون من خطبة الجمعة.
فلابد من بذل الجهود لتكثير المساجد ولحسن إقامتها ولحسن ترتيب أمورها الحسية والمعنوية وينبغي للهندسة الإسلامية أن تستفيد من تجارب العصور وتجارب الأقطار في إحسان بناء المساجد بحيث يتحقق في المسجد الجديد أرقى اجتهادات المسلمين في إقامة المساجد وتحسينها وتحسين مرافقها فيلحظ في المرافق إيجاد المراحيض العامة والحمامات وأن تكون بمعزل عن بناء المسجد وأن تهيأ لها وسائل الطهارة والنظافة من مياه وخراطيم ماء، وإحكام نظافة الخراطيم بأن يكون لها محل تعلق فيه، وأن يكون في كل مرحاض ورق وسلة مهملات، وأن يكون ماء المراحيض والحمامات يناسب فصول السنة، وأن يعتنى بمحل الوضوء في مياهه وراحة المتوضئ حين يتوضأ بأن يكون هناك مجالس من الحجارة يجلس عليها أثناء الوضوء، وأن تكون هناك مناشف يستفيد منها المتوضئ والمغتسل ويلحظ في بناء المسجد جماله وبهاؤه ومده واحتمال كثرة المقبلين عليه، فتهيأ لذلك الأروقة ويكون في كل رواق ما يمكن أن يمد به وان توجد مياه الشرب ووسائل التكييف، وهذا كله مع إتقان اختيار المؤذن والخدم والخطيب والإمام والمدرسين والدعاة إلى المسجد ودروسه، وأن يكون هناك ضبط للمواقيت بحيث يعرف رواد المسجد متى تقام الصلاة في كل وقت، وما هي مواعيد الدروس المنتظمة، ولابد من مراقبة دقيقة لحسن استعمال المسجد ومرافقه بحيث لا يستغل من أهل الفساد، وإذا كان بالإمكان على ضوء التجربة إيجاد نشاطات تتناسب مع مواعيد الإجازات والعطل، وأن يرافق هذه النشاطات نوع من الرحلات الهادفة، ولعله من المناسب أن يكون لكل مسجد مجلس يختار أعضاؤه من رواد المسجد والحريصين عليه، يتابعون هذه الأمور كما يقومون بزيارات منتظمة لمن هم في دائرة المسجد، كما يقومون بمتابعة بناء المكتبة المسجدية ذات الكتب الهادفة، ويكثرون من عدد النسخ التي يحتاجها
كل مسلم بدراسته المسجدية، وقد درجت بعض المساجد على أن تكون فيها أمكنة خاصة للنساء، وقاعات للمطالعة يمكن أن يستفاد منها في محاضرات أو دروس للعلوم الكفائية، وقد خصص بعض المسلمين في بعض المساجد غرفاً لأضياف المسجد كما خصصوا غرفاً لمريدي الاعتكاف والخلوات والأذكار، وخصص بعض بناة المساجد مرافق خاصة للقائمين بشؤون المسجد من إمام وخطيب، واعتنى بعضهم بإقامة مطعم يمكن أن يستفاد منه حين وجود الأضياف، ومن القديم فطن المسلمون إلى فكرة وجود الأوقاف التي تسد حاجات المسجد، وإنما نذكر هذا كله تذكيراً لأصحاب الإمكانات بأن يبذلوا جهوداً لإيجاد المسجد الذي يجمع بين المعاصرة وبين المركزية التي كانت للمسجد في كونه مركزاً لكل النشاطات الإسلامية الجادة، وقد ذهب بعضهم إلى أنه مما ينبغي أن يلحق بالمسجد المعاصر النادي الرياضي الإسلامي والنادي الكشفي الإسلامي، وأن يسهر المختصون على هذا كله بحيث يكون المسجد محضناً يتخرج فيه المسلم الكامل ثقافة وخصائصاً والتزاماً وتخصصاً في فرض من فروض الكفاية، ومن تتبع اجتهادات المسلمين في موضوع المساجد وفطنتهم للصغيرة والكبيرة مما يحتاجه المسجد ورواده يرى العجب، فبعض رواد المساجد نظموا جمع التبرعات والزكوات بحيث لا يضيع أحد في دائرة المسجد وما أجمل أن يقوم مجلس المسجد بالتهيئة لإحياء المناسبات والتحضير لمواسم العبادات كرمضان والحج، وعلى القائمين على شؤون المسجد أن يرتبوا لمشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، فإذا ولد مولود زاروا أهله وقدموا الهدايا باسم المسجد، وإذا تزوج إنسان قاموا بشؤون الأفراح على الطريقة الإسلامية، وقدم الرجال والنساء الهدايا باسم المسجد، وإذا توفي إنسان قاموا بحقوق الميت وحقوق أهله، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
وإنما حياة المسجد بالجمعة والجماعة فعليهما يجب أن ينصب أكبر الاهتمام وعلى خطيب المسجد أن يجعل أسبوعه كله في خدمة الخطبة، فلقد رأينا خطباء لا يهتمون بالتحضير للخطبة فتفوتهم أشياء كثيرة بسبب ذلك، فلا هم يحسنون اختيار الموضوعات المتكاملة ولا هم يحسنون العرض، وكثيراً ما تفوتهم الدقة العلمية أو الفقهية، فيلقنون الناس الخطأ، فأصبحنا نستشعر أننا في العصر الذي كثر خطباؤه وقل علماؤه.
ولقد خصصنا هذا الباب للمسجد والجماعة والجمعة لارتباط هذه الأمور ببعضها وجعلنا لكل موضوع فصلاً، ففصول هذا الباب ثلاثة: الفصل الأول: في المساجد، والثاني في الجماعة، والثالث في الجمعة.
فإلى الفصل الأول في هذا الباب: