الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة وهو
استقبال القبلة، وما له علاقة بموضوع القبلة
عرض إجمالي:
قال تعالى: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره)(1).
ولأن هناك حالات خاصة قد يعذر فيها الإنسان قال تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)(2).
لقد اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في شدة الخوف، وصلاة النافلة للمسافر، وقيد المالكية والحنفية شرط الاستقبال بحالة الأمن من عدو وسبع، وبحالة القدرة، واتفق العلماء على أن من كان مشاهداً معايناً للكعبة، ففرضه التوجه إلى عينها يقيناً، ومثله عند الحنابلة: أهل مكة أو الناشئون بها وإن كان هناك حائل بينهم وبين الكعبة، وأما غير المعاين للكعبة ففرضه عند الحنفية والمالكية والحنابلة في غير الصورة التي ذكرناها إصابة جهة الكعبة، وقال الشافعي: فرضه إصابة عينها، وبعض الذين قالوا إن فرضه إصابة جهة الكعبة كالحنفية أرادوا بذلك أن يبقى شيء من الوجه حاذياً للكعبة أو لهوائها، والكعبة من الأرض السابعة إلى العرش، فمن صلى في الجبال العالية والآبار العميقة والمناطق الواطئة جازت صلاته كما تجوز على سطحها وفي جوفها، ولو افترض زوال بنائها صحت الصلاة إلى موضعها.
وهؤلاء يفسرون إصابة الجهة بأنه لو امتد خط من وجه المصلي في منتصف زاوية قائمة لكان ماراً على الكعبة أو هوائها.
ومن عجز عن معرفة جهة القبلة واشتبهت عليه ولم يجد ثقة يخبره بها عن علم اجتهد وتحرى معتمداً على الدلائل الكونية ما أمكن وصلى إلى حيث أدى إليه اجتهاده، فإذا تبين له
(1) البقرة: 150.
(2)
البقرة: 115.
بعد الصلاة خطأ اجتهاده جازت الصلاة ولا إعادة عليه عند الحنفية والحنابلة، لكن الحنابلة قيدوا ذلك بألا يكون الإنسان في الحضر، وإن تيقن الخطأ في اجتهاده وهو في الصلاة استدار وأكمل صلاته، ولو تعدد اجتهاده لكل صلاة فإنه يصلي إلى حيث الاجتهاد الجديد، وحيثما توجه في الصلاة داخل الكعبة أو فوقها جازت صلاته فرضاً أو نفلاً عند الشافعية والحنفية، ويجوز التطوع على الراحلة وماله حكمها كالسيارة والطائرة للمسافر قبل جهة مقصده ويومئ بالركوع والسجود، قال الحنابلة: يجوز للمسافر الراكب لا الماشي سواء كان سفره طويلاً أو قصيراً أن يتطوع في السفر على الراحلة حيث كانت وجهته، فإن أمكنه افتتاح الصلاة إلى القبلة كراكب راحلة منفرد تطيعه ففي إلزامه التوجه إلى القبلة في افتتاح الصلاة روايتان: رواية بالإلزام، ورواية بعدمه، وهناك من شارك الحنابلة بأن التوجه نحو القبلة في الاستفتاح غير مطلوب حال العجز أو المشقة.
وفي عصرنا وجدت أنواع من البوصلات يستطيع الإنسان أن يعرف جهة القبلة من خلالها ما دام على الأرض أو في جوها، ومن المناسب أن يحوي المسلم بوصلة من هذا النوع ويحملها معه إذا سافر.
ومن كلام الحنفية أن قبلة العاجز أو راكب الدابة جهة قدرته ولو مضطجعاً، ويصلي بإيماء إلى أي جهة قدر سواء أكان مسافراً أو خائفاً من عدو أو سبع لكن يشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف الضرر كأن تذهب القافلة وينقطع فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة حتى في ابتداء الصلاة بتكبيرة الإحرام، وقال المالكية: لا تصح صلاة فرض على ظهر الدابة، وإن كان المصلي مستقبلاً القبلة، إلا في أحوال أربعة: أولاً: حالة التحام القتال في قتال جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، ثانياً: حالة الخوف من عدو كسبع أو لص إن نزل عن دابته، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، وإن لم يمكن صلى لغير القبلة، فإن أمن الخائف بعد صلاته أعاد في الوقت، ولا يعيد إذا مضى الوقت، ثالثاً: الراكب على دابته في ماء لا يطيق النزول فيه أو خشي تلطخ ثيابه. رابعاً: حالة المرض الذي لا يطيق النزول معه فيوقف الدابة إذا أمكن ويتوجه للقبلة ويصلي إيماء.
ومن كلام الحنابلة: ولا يلزم الملاح في سفينة الاتجاه إلى القبلة ولو في الفرض، ومن صلى في سفينة عليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك وعليه إذا غيرت جهتها أن يدور لو دارت السفينة وهو يصلي.
قال في (الدين الخالص 2/ 122) ودلت الأحاديث أيضاً على أن المكتوبة لا تصح إلى غير القبلة ولا على الدابة وهو مجمع عليه إلا حال العذر اهـ. وعدَّد الأعذار.
وحكى النووي الإجماع على عدم جواز صلاة الفريضة على الدابة من غير ضرورة.
يفهم من هذا أن للضرورة أحكامها في هذا المجال أيضاً.
انظر: (الدر المختار 1/ 397 فما بعدها)، (المغني 1/ 431 وما بعدها)، (المهذب 1/ 67 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 597 فما بعدها).
ومن أقوال الفقهاء السابقة نستطيع أن نقول:
إن المسافر في سيارة أو طائرة أو سفينة أو مركبة فضائية يستطيع أن يتنفل وهو في مقعده وحيثما توجهت به الأداة المسافر بها، وأما الفريضة فإن له أن يستعمل رخصة الجمع بين الصلاتين إذا أمكنه ذلك، أما إذا كانت الصلاة ستفوته حتماً فإنه يصلي وقته بالقدر الممكن له، فإن أمكنه أداء الأركان كلها وإقامة الشروط لزمه ذلك، وإلا صلى بالقدر الممكن والمتاح له، والاحتياط بالنسبة للسيارة والطائرة والمركبة الفضائية أن يعيد إلا إذا زادت الصلوات على خمس.
وبالنسبة للمركبات الفضائية إذا لم يكن بالإمكان ملاحظة القبلة صلى إلى أي جهة كان.
وإذا لم يعرف راكب الطائرة القبلة وخشي إذا صلى واقفاً من خطر يصيبه أو لم يجد محلاً يصلي فيه واقفاً، صلى في مقعده إيماءاً، قال في (الدين الخالص 2/ 125): وإذا دارت السفينة ونحوها في أثناء الصلاة استدار إلى القبلة حيث دارت إن أمكنه، لأنه قادر على تحصيل هذا الشرط بغير مشقة. فيلزمه تحصيله اتفاقاً. فإن عجز عن الاستقبال صلى إلى جهة قدرته ولا إعادة عليه عند الأئمة الثلاثة [غير الشافعية]، وما تقدم من التفصيل
والبيان يجري في الصلاة في القاطرة والطائرة اهـ.
وإذا لم يكن متوضئاً ولم يستطع الوضوء ولم يجد شيئاً يتيمم عليه، فحكمه حكم فاقد الطهورين فالحنفية والشافعية: أوجبوا الصلاة عليه مع الإعادة، والحنابلة قالوا: لا تجب عليه الإعادة، والمالكية قالوا: تسقط عنه الصلاة أداء وقضاءً.
والكلام عن القبلة يقتضي الكلام عن حفظ المصلي لقبلته وبعض آدابه أثناء استقبال القبلة وما يكره أن يكون أمام المصلي وبعض ما يؤثر على كمال صلاة المصلي بسبب يعرض لقبلته.
فمن السنة للمصلي أن يجعل أمامه سترة لمنع المرور بين يديه، وهذه السترة يمكن أن تكون سهماً مغروزاً في الأرض أو عصاً مغروزة في الأرض أو دابة أو جداراً أو سارية. ويجزئ عند الشافعية والحنابلة الخط ومن ذلك أن يكون أمام المصلي خيط أو عصاً معترضة، وحد سجادة الصلاة يعتبر سترة ويقترب المصلي من سترته ما أمكن ولا يزيد على ثلاثة أذرع، والسنة إذا صلى إلى عمود أو شجرة أو سهم أن يجعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر بحيث لا يستقبله، وإنما يضع المصلي السترة احتراماً لقبلته، وكما يسن له أن يضع السترة من أجل قبلته، فإن على الغير أن يراعي ذلك فلا يمر بين المصلي وسترته، وإذا لم يكن أمام المصلي سترة فالمالكية اعتبروا المار بين المصلي فيما يستحقه من محل صلاته آثماً، ويكره أن يصلي الإنسان في موضع يحتاج للمرور فيه، واتفق الفقهاء على أنه يجوز المرور بين يدي المصلي للطائف بالبيت بل قال الحنابلة: إنه لا يحرم المرور بين يدي المصلي في مكة كلها وحرمها، ودفع المار بين يدي المصلي رخصة عند الحنفية والأولى تركه، وما ورد من مقاتلة المار يعتبرونه منسوخاً، واتفق أئمة المذاهب الأربعة على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة ولا يبطلها. وما ورد من نصوص تذكر قطع الصلاة فهي محمولة على أنها تقطع عن الخشوع والذكر لا أنها تفسد الصلاة.
ومما يلاحظه المسلم في صلاته ألا يستقبل وجه إنسان أو يصلي إلى نار من تنور وسراج وقنديل وشمع ومصباح ونحوها، وتكره الصلاة إلى صورة منصوبة في وجه المصلي. وقال الإمام أحمد: يكره أن يكون في القبلة شيء معلق مصحف أو غيره، ولا بأس بذلك عند