الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في الشرط الثالث من شروط الصلاة وهو:
ستر العورة وما له علاقة بلباس المصلي
عرض إجمالي
قال تعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما)(1).
فستر العورة مطلوب إلا في حالات حددها الشارع، وإذا كان ستر العورة مطلوباً في الأحوال العادية، فإنه مطلوب في الصلاة على وجه آكد قال تعالى:(خذوا زينتكم عند كل مسجد)(2) قال ابن عباس المراد به الثياب في الصلاة.
وأجمع العلماء على وجوب ستر العورة في الصلاة وغيرها، إلا في حالات استثنائية.
والعورة شرعاً ما يجب ستره وما يحرم النظر إليه، وإذا قيل العورة في الصلاة، فالمراد بها: ما يجب ستره ولو كان يصلي خالياً في ظلمة عند القدرة، وأما العورة خارج الصلاة فقد تتفق مع العورة الواجب سترها في الصلاة وقد لا تتفق، لأن العورة الواجب سترها خارج الصلاة، تختلف باختلاف الناظر فلا عورة مثلاً بين الرجل وزوجته، وعورة المرأة بالنسبة لمحارمها تختلف عن عورتها لغير محارمها، ثم العورة خارج الصلاة تختلف باختلاف حال المكلفين، فعورة الأمة غير عورة الحرة، وأجاز أبو يوسف للنساء العاملات أن يكشفن عن شيء من أذرعهن إذا كانت الحاجة والعمل يقتضيان ذلك، والعورة الواجبة الستر بالنسبة للصبي تختلف باختلاف سنه.
وحيثما وجب ستر العورة، فيجب أن يكون الساتر صفيقاً كثيفاً، يستر لون البشرة ولا يصف العورة، فإذا كان الثوب يصف ما تحته أو يتبين معه لون الجلد من ورائه فيعلم
(1) الأعراف: 27.
(2)
الأعراف: 31.
بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة به، وإن كان يستر اللون ويصف الخلقة أو الحجم جازت الصلاة به لكنه عند الشافعية للمرأة مكروه، وللرجل خلاف الأولى.
والمطلوب هو ستر العورة من جوانبها على الصحيح عند الحنفية فلا يجب الستر من أسفل أو من فتحة قميصه إلا أن يسن له عند الحنفية أن يزر قميصه أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره لنفسه، أما إن كانت تظهر لغيره فيجب أن يفعل ذلك.
ومن لم يجد ساتراً لعورته صلى عرياناً عند المالكية وغيرهم، ويصلي في هذه الحالة عند الشافعية متماً الأركان، ويصلي قاعداً يومئ إيماءً بالركوع والسجود عند الحنفية والحنابلة، وإن لم يجد إلا ساتراً نجساً أو حريراً يصلي به فإن صلى عرياناً مع وجود أحدهما بطلت والحرير الطاهر مقدم على النجس عند اجتماعهما وجوباً. وإذا انكشفت العورة فجأة أثناء الصلاة بالريح مثلاً عن غير عمد فسترها في الحال لم تبطل صلاته عند الشافعية والحنابلة وقال المالكية: تبطل الصلاة مطلقاً بانكشاف العورة المغلظة، وقال الحنفية: إذا انكشف ربع العضو من أعضاء العورة فسدت الصلاة إن استمر بمقدار أداء أدنى ركن كركوع مقدار تسبيحة، هذا إذا كان بلا صنعه، فإن كان بصنعه فسد في الحال، ولا تبطل عندهم بما دون ذلك إذا لم يتعمد الكشف.
وعورة الرجل عند الحنفية التي يفترض سترها في الصلاة: هي ما تحت سرته إلى ما تحت ركبته وعورة الأمة في الصلاة كعورة الرجل، وعورة المرأة الحرة ومثلها الخنثى: جميع بدنها حتى شعرها النازل في الأصح ما عدا الوجه والكفين والقدمين ظاهرهما وباطنهما على المعتمد.
والمفترض عند المالكية الذي لا تجوز بدون ستره الصلاة لهما: السوأتان من الرجل، فهذه هي العورة المغلظة التي يفترض سترها في الصلاة وما زاد على ذلك إلى الركبة فعورة مخففة يكره كشفها في الصلاة عند الرجل وتجب إعادتها في الوقت، والوقت وقت الظهرين معاً إذا كانت الصلاة فيهما، والليل كله إذا كانت الصلاة المغرب أو العشاء، وإلى طلوع الشمس في الصبح، أما عورة الحرة المغلظة فجميع البدن ما عدا الصدر والأطراف
من رأس ويدين ورجلين وما قابل الصدر من الظهر كالصدر، وأما ما سوى ذلك من الوجه والكفين وباطن القدمين فعورة مخففة تجب إعادة الصلاة إذا انكشف شيء منها، ووقت الإعادة في الظهر أو العصر إلى اصفرار الشمس، وإذا كان الانكشاف في العشاءين فوقت إعادة الصلاة الليل كله، وتجب إعادة الفجر ما لم تطلع الشمس. وتكون قد ارتكبت بصلاتها مع كشف العورة المخففة إثماً وكذلك الرجل.
وعورة الرجل عند الشافعية في الصلاة ما بين سرته وركبته والركبة عندهم ليست عورة، وكذلك السرة، وعورة الأمة كالرجل في الأصح، وعورة الحرة ومثلها الخنثى ما سوى الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما إلى الرسغين، ومذهب الحنابلة كمذهب الشافعية.
ومن كلام المالكية أن الصغير الذي بلغ السابعة يندب له إذا أراد الصلاة أن يستر العورتين المغلظة والمخففة كالرجل وهي ما بين السرة والركبة، وأما الصغيرة فيندب لها ستر العورتين المخففة والمغلظة ولو سترت ما بين السرة والركبة كفاها ولم يأثم بذلك أهلها.
وإذا انصب كلامنا فيما مر على أدنى ثوب تسقط به الفريضة، فالمطلوب من المسلم والمسلمة بالنسبة للصلاة أوسع من ذلك لأن ما ذكرنا تجوز به الصلاة مع الكراهة فالله عز وجل قال:(خذوا زينتكم عند كل مسجد)(1) فالمطلوب من المسلم والمسلمة أن يصليا في أكمل هيئة ويعرف ذلك من خلال مكروهات الصلاة كما سيمر معنا.
فإذا كانت الصلاة مع رفع الكم مكروهة، فكيف بما هو أوسع من ذلك؟ وإذا كانت الصلاة بثياب المهنة أو مع وجود رائحة غير مستساغة في المسجد فإن ذلك يدلنا على أن المسلم يصلي على أكمل حال من الطهارة والنظافة والطيب والثياب، فكمال الصلاة أن يصلي الرجل في ثوبين أو أكثر كما سنرى ذلك، وكمال الصلاة بالنسبة للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: خمار تغطي به الرأس والعنق ودرع تغطي به البدن والرجلين وملحفة صفيقة تستر بها الثياب، والمستحب أن تكثف المرأة جلبابها حتى لا يصف أعضاءها، وتجافي الملحفة عنها في الركوع والسجود حتى لا توصف ثيابها ولقد تفننت المسلمات في استحضار ثياب
(1) الأعراف: 31.