الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وفوائد
- الذكر هو عبادة الوجود كله، قال تعالى عن الملائكة:(يسبحون الليل والنهار لا يفترون)(1) وقال تعالى عن الكون بما فيه: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)(2)، وقال تعالى:(سبح لله ما في السموات والأرض)(3) وقال: (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه)(4) وقال: (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير)(5).
وإنما ينسجم الإنسان مع كل شيء في إقامة العبودية بقدر ما يذكر الله عز وجل، ولذلك شرع في الإسلام للإنسان أن يذكر الله على كل أحواله، وتلك كانت سنة رسول صلى الله عليه وسلم كما وصفته عائشة رضي الله عنها.
والصلاة بالنسبة للذكر هي مرتكزه الأعلى ومنظمه الأول، قال تعالى:(وأقم الصلاة لذكري)(6) فمن أقامها فقد أقام ركن الذكر الأول، ولكن المشروع في موضوع الذكر أوسع، ولذلك نجد أنواعاً من الذكر أو الدعاء الذي هو ذكر وزيادة تمر معنا بمناسبات كثيرة، وسنخصص جزءاً من هذا الكتاب للأذكار والدعوات، هو لا يستوعب كل ما ورد في الذكر والدعاء، لأن الاستيعاب يقتضي دراسة الكتاب والسنة جميعاً.
- قلنا إن الصلاة ركن الذكر ومرتكزه ومنظمه فنقول كذلك: إنها أرقى صيغ الأداء للذكر لأنه يجتمع فيها مع إقامة الذكر هيئات القيام والركوع والسجود وغير ذلك من الهيئات، ويشترط أن تتم ضمن شروط معينة، فهي العبادة الأرقى والأعلى والتي اجتمعت فيها أرقى عبادات الملائكة والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
(1) الأنبياء: 20.
(2)
الإسراء: من 44.
(3)
الحديد: من 1.
(4)
النور: من 41.
(5)
الأنبياء: من 79.
(6)
طه: من 14.
- رأينا أن الصيغ التي وردت في أذكار الصلاة أو أذكار ما بعد الصلاة كثيرة، والمسلم يعطي الأولوية لما تتحقق به الركنية، ثم الوجوب، ثم السنية، ثم المستحب والمندوب، وفي دائرة المستحب والمندوب يتخير ويرتب على نفسه شيئاً يداوم عليه بقدر استطاعته، ويحاول ألا يبقي صيغة من المأثور إلا ويؤديها ولو مرة في حياته.
والأصل أن أوراد ما بعد الصلاة أن يؤديها كل فرد على حدة، والأصل أن تكون سراً بين العبد وربه، ورأينا روايات تذكر الجهر وهي محمولة على إعلام أو على تعليم.
- جرى علماء المسلمين في العصور المتأخرة لغلبة الجهل والتفلت والإدبار عن الصلاة وعن الجماعة وعن حلقات العلم، وبسبب ضعف حماس المتعلم للتعليم، وقلة حرص الجاهل على التعلم، لضعف الإقبال على الذكر ولاحتمال مجيء جديد إلى المسجد كالذي تاب بعد غفلة، نتيجة لهذا كله فقد أجاز العلماء ترتيب أوراد ما بعد الصلوات وتخيروا لذلك ما اعتبروه أكثر أجراً، وجرت العادة أن يدير ذلك الإمام والمؤذن وأن تختتم الأوراد بدعاء الإمام، ولم ير العلماء في ذلك حرجاً لأن كل جزء من ذلك له دليله المنفرد، وبعض الناس يحاربون مثل هذا على أنه بدعة، وهي حرب في غير محلها، وفي ترتيب الأوراد وإقامتها وتنظيمها بعد الصلاة خير كثير، ولا يدخل ذلك في باب البدع، بل يدخل ذلك في باب العمل الذي يدخل تحت أصل عام في الشريعة.
- والسنة في المذاهب الأربعة أن تكون أوراد ما بعد الصلاة بعد فريضتي الصبح والعصر، أما الفرائض الثلاث الأخر التي بعدها سنة راتبة فهي عند الحنفية تكون بعد أداء السنة الراتبة.
1279 -
* روى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". وعند المذاهب الثلاثة الأخرى تكون قبل الراتبة وبعد الفريضة مباشرة.
- يستحب للإمام أن يقبل على المأمومين جاعلاً يساره إلى جهة المحراب، وأما غير الإمام فيبقى في مجلسه إذا أراد إقامة أوراده متجهاً نحو القبلة.
1279 - مسلم (1/ 414) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة.
- جرت العادة في كثير من مساجد المسلمين إذا أرادوا إقامة الأوراد أن يبدؤوا بالاستغفار ثلاثاً ثم بقولهم (اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام) ثم بقولهم (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وإذا كانوا في صلاة الصبح والمغرب، فإنهم يقولون وهم على هيئتهم في الصلاة عشر مرات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)، وسبع مرات (اللهم أجرني من النار) ثم بعد ذلك في صلاتي المغرب والعشاء وبعد (اللهم أعني على ذكرك وشكرك) في بقية الصلوات يقرؤون آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين ثم يسبحون ويحمدون ويكبرون ثلاثاً وثلاثين، ويختمون بقولهم:(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)، ثم يدعو لهم إمامهم ويؤمنون أو يدعو كل منهم لنفسه وللمسلمين بما شاء من خيري الدنيا والآخرة.
ومن كان له ورد خاص بعد ذلك فإنه يفعله منفرداً، ولكن جرت أكثر مساجد المسلمين على فعل ما ذكرناه، ويلاحظ الداعي آداب الدعاء من رفع اليدين والبدء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء على الله، وتكرار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط الدعاء وآخره، ويختم الجلسة بما ورد في البخاري في الحض على أن يكون آخر الكلام:(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) وستمر معنا آداب الدعاء في جزء الأذكار والأدعية.
- إن من تأمل صلاة المسلمين وأذكارهم ودعواتهم عرف أنه ما من أحد في هذا العالم يعرف الله حق المعرفة ويعظمه حق التعظيم إلا المسلمون، هذا وحده كاف ليجعل المنصف يعرف أن هذا الإسلام حق، فكيف إذا كانت أدلة حقية الإسلام لا تعد ولا تحصى.
قال تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً)(1).
(1) الأنعام: من 115.