الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلوا، وما فاتكم فاقضوا".
1208 -
* روى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله".
-
حقيقة الخشوع وطرق تحصيله
.
مما قلته في كتابنا المستخلص في تزكية الأنفس:
إن الخشوع هو المظهر الأرقى لصحة القلب فإذ يرتفع علم الخشوع فهذا يعني أن القلب المسلم قد خرب، فما ذهب الخشوع إلا وقد غُلب القلب بأمراض خطيرة وأحوال شريرة كحب الدنيا والتنافس عليها، ومتى غلب القلب بالأمراض فقد التطلع إلى الآخرة، ومتى وصل إلى ذلك فلا صلاح للمسلمين، فحب الدنيا يعقبه التنافس عليها، والتنافس عليها لا يقوم به أمر دنيا ودين.
إن فقدان الخشوع علامة على فقدان القلب حياته وحيويته فالموعظة فيه لا تؤثر، والأهواء فيه غلابة، وتصوره بعد ذلك كيف يكون الحال؟ عندما تتغلب الأهواء ولا ينفع وعظ ولا تذكير فعندئذ تتغلب الشهوات ويقوم سوق التنافس على الجاه والغلبة والسيطرة والمال والشهوات. وهذه إذا سيطرت لا يصلح معها دنيا أو دين؟.
والخشوع علم بنص الحديث النبوي، وهذا العلم قل العارفون به، فإذا ظفرت أيها المسلم بالخاشع الذي يستطيع أن يوصلك إلى الخشوع فتمسك به فإنه العالم حقاً إذ هذه علامة علماء الآخرة.
والنهي عن إتيانها سعياً.
ابن خزيمة (3/ 3) كتاب الصلاة، 28 - باب الأمر بالسكينة في المشي إلى الصلاة.
1208 -
مسلم (1/ 206) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه.
(إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً)(1).
إن علم الخشوع مرتبط بعلم تصفية القلوب من أمراضها وتحققها بصحتها وذلك باب واسع، ولذلك فعلماء الآخرة يبدؤون بتلقين السالك إلى الله الذكر والحكمة حتى يحيا قلبه، فإذا حيي قلبه نقوه من الأوصاف الذميمة ودلوه على الأوصاف الحميدة، وههنا يأتي تعويد قلبه على الخشوع من خلال الحضور مع الله والتأمل في المعاني ولكل ذلك طريقه المشروع عندهم.
وخشوع الجوارح في الصلاة هو ميزان خشوع القلب فبقدر ما تخشع في صلاتك فذلك علامة الخشوع في قلبك، (انظر المستخلص 36 - 37).
قال في مختصر منهاج القاصدين.
"- واعلم أن للصلاة أركاناً وواجبات وسنناً، وروحها النية والإخلاص والخشوع وحضور القلب، فإن الصلاة تشتمل على أذكار ومناجاة وأفعال، ومع عدم حضور القلب لا يحصل المقصود بالأذكار والمناجاة، لأن النطق إذا لم يعرب عما في الضمير كان بمنزلة الهذيان، وكذلك لا يحصل المقصود من الأفعال، لأنه إذا كان المقصود من القيام الخدمة، ومن الركوع والسجود الذل والتعظيم، ولم يكن القلب حاضراً، لم يحصل المقصود، فإن الفعل متى خرج عن مقصوده بقي صورة لا اعتبار بها، قال الله تعالى:(لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)(2) والمقصود أن الواصل إلى الله سبحانه وتعالى هو الوصف الذي استولى على القلب حتى حمل على امتثال الأوامر المطلوبة، فلابد من حضور القلب في الصلاة، ولكن سامح الشارع في غفلة تطرأ، لأن حضور القلب في أولها ينسحب حكمه على باقيها.
(1) الإسراء: من 107.
(2)
الحج: 37.
والمعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة:
المعنى الأول: حضور القلب كما ذكرنا، ومعناه أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له، وسبب ذلك الهمة، فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة، فلا علاج لإحضاره إلا صرف الهمة إلى الصلاة، وانصراف الهمة يقوى ويضعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا، فمتى رأيت قلبك لا يحضر في الصلاة، فاعلم أن سببه ضعف الإيمان، فاجتهد في تقويته.
والمعنى الثاني: التفهم لمعنى الكلام فإنه أمر وراء حضور القلب، لأنه ربما كان القلب حاضراً مع اللفظ دون المعنى، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها، فإن المواد إذا لم تنقطع لم تنصرف الخواطر عنها.
والمواد، إما ظاهرة، وهي ما يشغل السمع والبصر، وإما باطنة وهي أشد كمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا، فإنه لا ينحصر فكره في فن واحد، ولم يغنه غض البصر، لأن ما وقع في القلب كاف في الاشتغال به.
وعلاج ذلك إن كان من المواد الظاهرة، بقطع ما يشغل السمع والبصر، وهو القرب من القبلة، والنظر إلى موضع سجوده، والاحتراز في الصلاة من المواضع المنقوشة، وأن لا يترك عنده ما يشغل حسه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى في أنبجانية لها أعلام نزعها وقال:"إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي".
وإن كان من المواد الباطنة، فطريق علاجه أن يرد النفس قهراً إلى ما يقرأ في الصلاة ويشغلها به عن غيره، ويستعد لذلك قبل الدخول في الصلاة، بأن يقضي أشغاله، ويجتهد في تفريغ قلبه، ويجدد عل نفسه ذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله عز وجل وهول المطلع، فإن لم تسكن الأفكار بذلك، فليعلم أنه إنما يتفكر فيما أهمه واشتهاه، فليترك تلك الشهوات وليقطع تلك العلائق.
واعلم: أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوي، والعلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة في المجاذبة، ومثل ذلك كمثل رجل تحت شجرة أراد أن
يصفو له فكره، وكانت أصوات العصافير تشوش عليه وفي يده خشبة يطيرها بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له. هذا شيء لا ينقطع، فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها انجذبت إليها الأفكار كانجذاب العصافير إلى الأشجار والذباب إلى الأقذار، فذهب العمر النفيس في دفع ما لا يندفع، وسبب هذه الشهوة التي توجب هذه الأفكار حب الدنيا.
قيل لعامر بن عبد قيس رحمه الله: هل تحدثك نفسك بشيء من أمور الدنيا في الصلاة؟ فقال: لأن تختلف الأسنة في أحب إلي من أن أجد هذا.
واعلم: أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب، وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد في الممكن منه، والله الموفق المعين.
المعنى الثالث: التعظيم لله والهيبة، وذلك يتولد من شيئين: معرفة جلال الله تعالى وعظمته، ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة، فيتولد من المعرفتين: الاستكانة، والخشوع.
ومن ذلك الرجاء: فإنه زائد على الخوف، فكم من معظم ملكاً يهابه لخوف سطوته كما يرجو بره.
والمصلي ينبغي أن يكون راجياً بصلاته الثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب.
وينبغي للمصلي أن يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة، فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة ويشمر للإجابة، ولينظر ماذا يجيب، وبأي بدن يحضر. وإذا ستر عورته فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق، فليذكر عورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنها يكفرها الندم، والحياء، والخوف.
وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، فصرف قلبه إلى الله تعالى أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها، كذلك القلب لا ينصرف إلى الله تعالى إلا بالانصراف عما سواه.
إذا كبرت أيها المصلي، فلا يكذبن قلبك لسانك، لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من الله تعالى فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة الله تعالى.
فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى الله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغواً، وتفهم معنى ما تتلو، وأحضر التفهم بقلبك عند قولك:(الحمد لله رب العالمين)، واستحضر لطفه عند قولك:(الرحمن الرحيم)، وعظمته عند قولك:(مالك يوم الدين)، وكذلك في جميع ما تتلو.
وقد روينا عن زرارة بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قرأ في صلاته: (فإذا نقر في الناقور)[المدثر: 8] فخر ميتاً، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثرت عنده التلف.
واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل، لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلقت منه وتفهم معنى الأذكار بالذوق.
واعلم: أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمة المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون.
فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فإنه لا يطلع على شيء من ذلك بل ينكر وجوده. (مختصر منهاج القاصدين 29 - 31) وانظر (إحياء علوم الدين 1/ 134 و 142) وقال في (شرح السنة 3/ 261):
وقال عكرمة عن ابن عباس قال: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.
قال سلمان: الصلاة مكيال، فمن أوفى أوفي له، ومن طفف، فقد علمتم ما قال الله للمطففين.
ورأى سعيد بن المسيب رجلاً يعبث في صلاته، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه.
وقال مجاهد في قوله سبحانه وتعالى (فإذا فرغت فانصب) قال إذا فرغت من دنياك، فانصب في صلاتك، (وإلى ربك فارغب) اجعل نيتك ورغبتك إلى ربك.
وقال مجاهد في قوله (وقوموا لله قانتين) (البقرة: 238] قال: من القنوت. الركود، والخشوع، وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله. ا. هـ.