الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وفوائد
- من أهم ما ينبغي أن يركز عليه في إحياء رسالة المسجد حلقات العلم والذكر، وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والأصحاب رضي الله عنهم منارات كثيرة في هذا الشأن فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة ويتخول أصحابه بالموعظة، وكان تعليم القرآن وتحفيظه قائمين على قدم وساق في المسجد وخارج المسجد، وكان بعض الصحابة يلازمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذوا عنه مع القرآن السنة والحكمة والعلم والفقه، وكانوا أحياناً يتناوبون فيعلم الحاضر الغائب ثم يحضر الثاني ويغيب الأول فيعلمه بكل جديد ومن سنن الصحابة تقسيم الناس إلى حلقات، على كل حلقة عريف يعلمهم القرآن، وللجميع مرجع يرجعون إليه أو هو يطوف عليهم فيقعد مع كل حلقة ليختبر ويفيد، وفي التاريخ الإسلامي وجدت حلقات الوعظ، والحلقات الروحية، والدروس التخصصية كما وجدت المساجد المتخصصة، فهذا مسجد للفقه، وهذا مسجد للحديث، ولقد رأينا من سنن الأشياخ الذين عاصرناهم ما هو إحياء أو استمرار لما كان عليه السلف فلقد كان بعض الأشياخ يقيم حلقة يومية صباحاً للفقه كأصل، ويقرأ معه غيره أحياناً، كما أن له حلقة يومية بين المغرب والعشاء- ما عدا ليلة الجمعة- يدرس في يوم منها الحديث الشريف، وفي يوم السيرة النبوية ويخصص يومين للفقه، ويومين للتفسير، وكان بعض الأشياخ له جلسة يومية لقراءة الفقه، ويقرأ في آخر الجلسة التفسير، وكان لبعضهم حلقة يومية للفقه بعد العصر، وكان لبعضهم حلقة للفقه صباح كل جمعة، وحلقتن بعد صلاة العشاء كل أسبوع وكان لبعضهم حلقات يومية بعد صلاة الفجر، وكان بعضهم يتخصص لتعليم القرآن وتحفيظه، وكان بعضهم يتخصص لتعليم العربية وبعضهم يتخصص في علم من العلوم، وكان لبعضهم ترتيبات يوزع تلاميذه على حلقات صغيرة بعد المغرب مباشرة ثم يجتمع الجميع على درسه بعد ذلك، وكان بعضهم يقيم المدارس والمعاهد التي تدرس كل العلوم الشرعية وبعض العلوم الكونية، وكان بعضهم يقيم جلسة روحية يخصصها للأذكار المأثورة في الأسبوع مرة، ويقيم درساً جامعاً واعظاً في الأسبوع مرة واحدة، ومع هذا وهذا كان يوزع التلاميذ على حلقات خاصة، لكل حلقة عريف، ويأخذ من كل إنسان الوقت الذي يناسبه، ومع الحلقات الخاصة في المسجد،
فهناك حلقات البيوت ومع هذا كله فهناك المتخصصون بالتفسير أو بتحفيظ القرآن أو بالعربية وغير ذلك من العلوم، وكان يتخرج لذلك مسلمون مهديون وائمة هداة يقتدى بهم، وكان يقيم مع هذا كله دورات في علوم معاصرة للطلاب يخرجون بها متفوقين على غيرهم، وكان هناك متخصصون في المسجد في الرحلات الدعوية أو الرياضية، هذا مع القيام بنشاطات اجتماعية واسعة، فوجد بذلك نوع من التجديد نادر المثال.
وقد دعونا في كتاب (كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر) إلى القيام بحركة تعليمية تربوية تلحظ جميع العلوم التي يحتاجها المسلم المعاصر ليتخرج بذلك الوارث الكامل لرسولنا عليه الصلاة والسلام، ولنا رسالة أخرى تحدد ميادين العمل الذي يجب أن يقيمه العلماء الربانيون في عصرنا أسميناها (رسالة التعرف).
- من المعروف أن رحبة المسجد ومنارته وكل ما كان محيطاً في المسجد داخل سور المسجد الذي له باب فإن له حكم المسجد، وأحياناً تكون مرافق المسجد من حمامات ومراحيض وغرف داخل هذا السور وعلى مذهب الحنفية والمالكية فإنه يحرم على الجنب والحائض والنفساء الدخول إلى هذه المرافق ويسن عند الجميع لمن دخل دائرة المسجد أن يصلي تحية المسجد على خلاف في أوقات الكراهة، وأباح الشافعية والحنابلة العبور من غير مكث ولا كراهة سواء أكان لحاجة أم لغيرها، لكن الأولى ألا يعبر إلا لحاجة، وعلى هذا القول فبالإمكان لجميع الناس استعمال مراحيض المسجد إذا كانت داخل سوره، والأحوط ألا يفعل الإنسان ذلك مراعاة لمذهب المالكية والحنفية. وقد مر معنا أن الحنفية يجيزون للكافر دخول كل مسجد وعلى هذا فإنه يمكن للكافر أن يستعمل مرافق المسجد وأن يحضر دروسه ومحاضراته.
- الأصل أن تكون المراحيض داخل دائرة المسجد، والحنفية يرون الكراهة التحريمية في البول والتغوط والوطء في المسجد وعلى هذا لا ينبغي أن يكون داخل سور المسجد من المرافق ما تكون فيه هذه الأشياء، وتوسع بعضهم فأجاز ذلك إذا كان الواقف قد حدد بعض ما هو داخل السور وخارج بناء المسجد لمثل هذه الأشياء، ومراعاة للخلاف فالأولى أن تكون بعض المرافق خارج دائرة سور المسجد مراعاة للاجتهادات التي تحرم فعل بعض
الأشياء فيما يعتبر مسجداً.
- يرى فقهاء الحنفية أن المسجد مسجد إلى عنان السماء وإلى أعماق الأرض، وعلى هذا فما تحت المسجد وما فوقه له حكم المسجد عندهم، وبناءً على هذا فإنه لا يصح أن تقام بيوت أو محلات عمل أو تجارة فوق المسجد أو تحته لأنه لا يجوز للجنب والحائض والنفساء أن يدخلها ولا يجوز الوطء فيها، وكما أن النوم في المسجد مكروه عند الحنفية إلا للغريب والمعتكف، فكذلك حكم ما كان فوقه أو تحته، وكما يكره رفع الصوت في المسجد ونشدان الضالة والبيع والشراء والإجارة فكذلك يكره فيما فوقه أو تحته، وكما يكره أن يجعل المسجد مقعداً لحرفة فكذلك يكره لما فوقه أو تحته، وعلى هذا فإن الحنفية يرون أن يتمحض المسجد للمسجدية، فلا يبنى فوقه أو تحته ما يتنافى مع ذلك، بل إن أريد البناء تحته أو فوقه فليكن كل ذلك مسجداً وعلى هذا لا يصح أن يكون تحت المسجد مراحيض أو دكاكين ولا فوقه.
وقد ترخص بعض العلماء في هذه الشؤون لمصلحة الناس والمسجد، والأحوط ألا يكون ذلك وخاصة في المساجد القديمة التي يعاد بناؤها، فمثل هذه لا ينبغي أن يبنى فوقها أو تحتها إلا ما هو مسجد مراعاة لشرط الواقف.
(انظر رد المحتار على الدر المختار 1/ 441 فما بعدها).