الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء: 76].
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أرسل جيشاً قال لهم: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً"(1).
العنصر الثالث: السرايا والغزوات التي تحركت من المدينة بعد الإذن بالقتال
.
عباد الله! لما أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في الدفاع عن نفسه، وعن أصحابه، أخذ صلى الله عليه وسلم يبعث سراياه إلى الجهات المختلفة لمقاصد عالية وحكم غالية منها:
أولاً: إشعار قريش بأن المسلمين لم يهاجروا فراراً، ولم يخرجوا هرباً، وإنما هاجروا ليعدوا أنفسهم لمقاومة الطغيان، ورد الظلم والعدوان، ولتعلم قريش أن المسلمين أصبحوا أقوياء.
ثانياً: السيطرة على بعض أموال قريش ليكون في ذلك إضعاف لقريش عن حرب المسلمين، وتقوية للمسلمين أنفسهم حتى ينفقوا هذه الأموال في سبيل الدعوة إلى الله، بدلاً من إنفاق قريش تلك الأموال في الصد عن سبيل الله، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [الأنفال: 36].
ثالثاً: إعلام الكفار من يهود المدينة ومن حولها؛ أن المسلمين قادرون على دحر أي عدوان ورد أي طغيان على المدينة، سواء كان من العدو
(1) رواه مسلم (رقم 1731).
الداخلي -يعني اليهود- أو من العدو الخارجي -يعني كفار قريش-.
رابعاً: استطلاع الأحوال واستكشاف الآراء، والإحاطة بالمواقع ومعرفة ميول الناس حول المدينة هل هي مع المسلمين أو عليهم.
خامساً: الدعوة إلى الله عز وجل، ونشر دين الله تبارك وتعالى ولذلك لم يحصل قتال في أي سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد عناد الكفار، وإصرارهم على القتال، فكان المسلمون يضطرون إلى منازلة الكافرين لإصرارهم على المنازلة.
عباد الله! ففي رمضان من السنة الأولى التقى "حمزة بن عبد المطلب" في ثلاثين من المسلمين، بأبي جهل يقود قافلة لقريش، ومعه ثلاث مئة راكب وقد حجز بينهما مجدي بن عمرو الجهني فلم يقع قتال.
2 -
وفي شوال من السنة نفسها، سار عبيدة بن الحارث في ستين راكباً إلى وادي رابغ، فالتقى بمائتي مشرك على رأسهم أبو سفيان، وقد ترامى الفريقان بالنبل ولم يقع قتال.
3 -
وفي ذي القعدة خرج "سعد بن أبي وقاص" في نحو عشرين رجلاً يعترض عيراً لقريش ففاتته.
4 -
وفي صفر من السنة الثانية خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه بعد أن استخلف سعد بن عبادة على المدينة، وسار حتى بلغ ودّان يريد قريشاً وبني ضمرة، فلم يلق قريشاً وعقد حلفاً مع بني ضمرة.
5 -
وفي ربيع الأول من السنة نفسها خرج الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس مائتين من المهاجرين والأنصار إلى "بواط" معترضاً عيراً لقريش يقودها أمية بن خلف ومعه مائة من المشركين ففاتته.
6 -
ثم أغار كرز بن جابر الفهري على المدينة واستاق سرحها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ وادي سنوان قريباً من "بدر" فلم يدركه وتسمى هذه "غزوة بدر الأولى".
عباد الله! بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، وأمّر عليها عبد الله بن جحش الأسدي، وكان ذلك في شهر رجب، وكتب النبي- صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش كتاباً وأمره أن لا تنظر فيه حتى يسير يومين، فخرج عبد الله بن جحش في اثني عشر رجلاً من المهاجرين فلما سار يومين فتح الكتاب ونظر فيه، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يسير حتى ينزل في نخلة، مكان بين مكة والطائف، فيرصد فيها قريشاً ويتعرف على أحوالها، وأمره النبي- صلى الله عليه وسلم أن لا يستكره أحداً من أصحابه على السير معه، فلما قرأ عبد الله كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعاً وطاعةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أصحابه أنه قد أمر أن لا يستكره أحداً منهم فمن أحب الشهادة فليسر، ومن كره الموت فليرجع.
فمضوا كلهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق، أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله بن جحش في عشرة من المهاجرين حتى نزلوا بنخلة فمرت لهم عير قريش قادمة من الشام على رأسها عمرو بن الحضرمي ومعه ثلاثة نفر من كفار قريش فلما رأوا العير تشاوروا ماذا يفعلون؟
إننا في آخر يوم من رجب، فإن قاتلناهم قاتلناهم في الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا المسجد الحرام، فرأوا أن يقاتلوهم حتى لا يفلتوا منهم، فرمي أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، ثم أسروا رجلين وأفلت الرابع، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالعير والأسير، فأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم تصرفهم ولم يقرهم عليه، وانتهزت قريش الفرصة للتشنيع على المسلمين والتشهير بهم، وذمهم وعيبهم على قتالهم في الشهر الحرام، وقالوا: انظروا إلى محمَّد
- صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يزعمون أنهم يعظمون الأشهر الحرم وقد قاتلوا في الشهر الحرام، واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفى الله عنهم، ورفع الحرج عنهم وأنزل قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217].
فأقر الله تبارك وتعالى الكفار على عيبهم على المسلمين قتالهم في الشهر الحرام، وقال إن القتال في الشهر الحرام كبير، ولكن أكبر منه وأعظم جرماً ما أنتم عليه معشر المشركين من الكفر بالله، والصد عن سبيله وعن المسجد الحرام، وما أنتم عليه من الشرك، وإخراج المسلمين أولياء الله من بيت الله الحرام، هذا الذي أنتم عليه أكبر عند الله من انتهاك المسلمين للشهر الحرام، فأنتم تستحقون القدح والذم والعيب والمقت والعقوبة.
أما المهاجرون؛ فإنهم وإن انتهكوا حرمة الشهر الحرام؛ فإنما انتهكوها بنوع تأويل أو تقصير حصل، والله يعفو عنهم لأنهم أهل الإيمان وأهل توحيده وعبادته، هم الذين هاجروا مع رسوله، ونصروا دينه وتركوا ديارهم وأموالهم، ابتغاء مرضاته، فلا حرج عليهم فيما كان منهم من القتال في الشهر الحرام (1).
اللهم انصر الإِسلام وأعز المسلمين.
(1)"زاد المعاد"(3/ 170).