الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجارت أم هانئ حموين لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد أجرنا من أجرتِ يا أمِّ هانئ"(1).
عباد الله! فلما مكن الله رسوله- صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، واستقر الفتح أمَّنَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم الناس جميعاً، وعفا عنهم كلهم ولم يأخذهم بجريرتهم السابقة، إلا أربعة رجالٍ وامرأتين كانوا قد آذوه إيذاءً شَديداً.
فقال- صلى الله عليه وسلم: "اقتلوهم ولو وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة" فمنهم من قتل ومنهم من أسلم.
عباد الله! فلما كان الغد من يوم الفتح قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ومجَّدهُ بما هو أهله، ثم قال:"يا أيها الناس إن مكة حرَّمها الله، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يحل لأحد أن يسفك فيها دماً، ولا أن يعضد فيها شجرة، فإن أحدٌ ترخص بقتال رسَّوَل الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح -أي بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم، وإنما أحلها الله لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب"(2).
عباد الله! وفي فتح مكة نزلت سورة النصر: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} .
العنصر الخامس: الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من فتح مكة
.
أولاً: كان فتح مكة بداية فتحٍ عظيم للمسلمين، فقد كان الناس تبعاً
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 357)، ومسلم (رقم 336).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 104)، ومسلم (رقم 1354).
لقريش في جاهليتهم كما أنهم تبعٌ لقريش في إسلامهم، وكانت القبائل تنتظر ما يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه وعشيرته، فإن نصره الله عليهم دخلوا في دينه، وإن انتصرت قريش عليه يكونون بذلك قد كفوهم أمره.
فلما نصر الله رسوله والمسلمين، وفتحوا مكة عرف الناس جميعاً أنه رسول الله صدقاً، فدخل الناس في دين الله أفواجاً. قال تعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) .. } .
ثانياً: سورة النصر علامة على أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قوله: "سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه".
فقال صلى الله عليه وسلم: "أخبرني ربي أنى سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتُها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه"، فقد رأيتها:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} (1).
عباد الله! وهذه السورة تسمى سورة التوديع، حيث جاءت مخبرة بقرب أجل المصطفى صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس: قال: كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدرٍ فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله. فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعاني ذات يومٍ فأدخلني معهم فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم.
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 817)، ومسلم (رقم 483 بعد 217) واللفظ له.
قال: ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} .
فقال بعضهم: أمرنا أن نحمده ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً.
فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟
قلت: هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، - وذلك علامة أجلك- {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .
فقال عمر: "ما أعلم منها إلا ما تقولُ"(1).
ثالثاً: التحذير من الشفاعة في حدٍ من حدود الله
قال عروة بن الزبير: إن امرأةً سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومُها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه.
قال عروة: فلما كلمة أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العشيّ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:"أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي محمَّد بيده، لو أن فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها" ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت.
قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
(1) رواه البخاري (رقم 4970).
(2)
رواه البخاري (رقم 2648).
رابعاً: الكبيرة دون الشرك لا تخرج صاحبها من الإيمان وقد تكفر بالحسنة الكبيرة، وهذا يؤخذ من فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما أرسل كتاباً إلى قريش يخبرهم فيه بخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وشفع له شهوده بدراً فقال- صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: يا عمر أو ليس قد شهد بدراً؟ وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدرٍ فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
عقيدتنا في أصحاب الكبائر أنهم في مشيئة الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولا نكفرهم، ولا نخرجهم من الملة كما تفعل الخوارج.
اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.