الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل وأمر ربنا -جل وعلا- رسوله صلى الله عليه وسلم في ثلاث مواضع من القرآن أن يقسم لهم بالله على أن البعث بعد الموت كائن، فقال تعالى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} [التغابن: 7]، وقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3]، وقال تعالى:{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)} [يونس: 53].
عباد الله! ومع ذلك جاء أبيّ بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم بالٍ قد أرمَّ فقال: يا محمَّد! أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم؟! ثم فته بيده، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:"نعم؛ أنا أقول ذلك؛ يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا، ثم يدخلك النار".
ثانيا: الآلهة التي تعبد من دون الله:
قال ابن إسحاق: "وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما بلغنا- يوماً مع الوليد
(1)"صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص201).
بن المغيرة، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحدٍ من رجال قريش، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)} [الأنبياء: 98 - 100]، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عبد الله بن الزبعري السهمي حتى جلس. فقال الوليد بن المغيرة له: والله، ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفاً وما قعد، وقد زعم محمَّد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم! فقال عبد الله بن الزبعري -أما- والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمداً: أكل من يعبد من دون الله حصب جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيراً، والنصارى تعبد عيسى، فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعري، ورأوا أنه قد احتج وخاصم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأنزل تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)} [الأنبياء: 101 - 102]؛ أي: عيسى ابن مريم، وعزيراً، ومن عبد من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله تعالى، ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)} [الأنبياء: 26 - 29].
ونزل في إعجاب المشركين بقول ابن الزبعري: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)} [الزخرف: 57 - 58](1).
عباد الله! وهذا الجدل الذي سلكوه باطل، وهم يعلمون ذلك؛ لأنهم قوم عرب ومن لغتهم أن (ما) لما لا يعقل، فقوله:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} : إنما أريد بذلك ما كانوا يعبدونه من الأحجار التي كانت صور أصنام، ولا يتناول ذلك الملائكة الذين زعموا أنهم يعبدونهم في هذه الصور، ولا المسيح، ولا عزيراً، ولا أحداً من الصالحين؛ لأن الآية لا تتناولهم لا لفظاً ولا معنى، فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مريم من المثل جدل باطل، كما قال تعالى:{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)} ثم قال: {إِنْ هُوَ} ؛ أي: عيسى {إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} ؛ أي: بنبوتنا {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)} ؛ أي: دليلاً على تمام قدرتنا على ما نشاء، حيثما خلقناه من أنثى بلا ذكر، وقد خلقنا حواء من ذكر بلا أنثى، وخلقنا آدم لا من هذا، ولا من هذا، وخلقنا سائر بني آدم من ذكر وأنثى؛ كما قال في الآية الأخرى:{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم: 21]؛ أي: أمارة ودليلاً على قدرتنا الباهرة {وَرَحْمَةً مِنَّا} نرحم بها من نشاء (2).
عباد الله! وقال ابن عباس رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش: "يا معشر
(1)"صحيح السيرة النبوية" الألباني (197 - 198).
(2)
"صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 198 - 199).