الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)} [الأحزاب: 18 - 19].
العنصر الرابع: شدة وكرب وبلاء، يعقبها نصر وفرج
.
عباد الله! البلاء بالمسلمين يزداد يوماً بعد يوم، والخوف يزداد ساعة بعد ساعة، حتى بلغت القلوب الحناجر؛ بردٌ قارصٌ، وجوعٌ شديدٌ، وحصارٌ طالَ شهراً، فأتوا الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله هل من شيءٍ نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ - فماذا قال لهم؟ ربط قلوبهم بالله- فقال صلى الله عليه وسلم -لهم: "نعم، قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.
فقال الصحابةُ: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" (1).
عباد الله! وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه أيضاً بالدعاء {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} .
فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم، وزلزلهم"(2).
وفي رواية: "اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم".
عباد الله! توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى ربهم بالدعاء أن يجعل لهم مخرجاً، وأن ينصرهم على عدوهم.
والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، والله عز وجل يستجيب الدعاء من
(1)"السلسلة الصحيحة"(2018).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2933)، ومسلم (رقم 1742).
عباده الصالحين.
قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} ، وجاء النصر والفرج من عند الله، فأرسل الله ريحاً وجنوداً من عنده على الأحزاب أطفئت نارهم، وقلعت خيامهم.
عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى حذيفة رضي الله عنه وهو يخبرنا عن الظروف الصعبة التي يعيش فيها المسلمون، ويخبرنا أيضاً عن الرعب والدمار والذعر الذي حل بالأعداء في الجانب الآخر من الخندق.
يقول رضي الله عنه: "لقد رأيتُنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم الخندق -أي يوم الأحزاب- فقام صلى الله عليه وسلم فصلى هوياً من الليل ثم قال: "من يأتنا بخبر القوم- أي العدو- أشترط له الرجعة، وأضمن له الجنة".
قال حذيفة: فما قام أحدٌ من شدة الجوع والبرد والريح.
قال حذيفة: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل ثم التفت إلينا وقال: "من يأتنا بخبر القوم؟ أشترط له الرجعة وأسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة". قال حذيفة: فلم يقمْ أحد من شدة الخوف والجوع والبرد.
يقول حذيفة: فلما لم يقمْ أحدٌ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا حذيفة".
يقول حذيفة: فلما دعاني لم يكن لي بدٌّ من القيام فقمتُ.
فقال- صلى الله عليه وسلم: "اذهب فأتنا بخبر القوم ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا".
قال حذيفة: فخرجت وأنا شديد البرد، فلما مشيت في حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أمشي في حمَّام -أي: لم أجد البرد الذي يجده الناس- لأنه خرج طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فأتيت القوم ودخلت فيهم، وإذا بأبي سفيان يقوم ويقول: يا معشر قريش: لينظر امرىٌ -أي كلُّ واحد- من جارهُ!
قال حذيفة: فبادرت بيدي الذي جنبي، فقلت من أنت؟
قال: أنا فلان بن فلان.
وقال أبو سفيان: يا معشر قريش، والله ما بقي لنا هنا مقام، لقد أكفأت الريح قدورنا، وأطفأت نارنا، وهدمت خيامنا، وقد بلغنا عن بني قريظة ما نكرهُ، أنهم لن يفوا بعهدهم بالحرب معنا فارتحلوا، فإني مرتحلٌ.
قال حذيفة: ثم قام إلى جمله فركب عليه، فوثب الجمل على ثلاث فلم يحل عقاله حتى وثب.
قال حذيفة: ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحدثنَّ شيئاً حتى تأتينا، فلو شئت أن أقتله لقتلته بسهمي.
قال حذيفة: فلما ارتحل وبلغ الخبر سائر القبائل رجعوا من حيثُ جاءوا" (1).
قال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)} [الأحزاب: 25]
عباد الله! ورجعت الأحزاب تجرّ أذيال الخيبة والحزن لم ينالوا شيئاً مما جاءوا له.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم"(2).
وامتن الله عز وجل على المؤمنين بنصرهم هذا في غزوة الأحزاب.
(1) رواه مسلم (رقم 1788).
(2)
رواه البخاري (رقم 4109، 4110).