الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الرابعة: الآيات الجسام التي ظهرت ليلة مولده صلى الله عليه وسلم
-
وموعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة الحبيب محمَّد صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا اللقاء رسولنا صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن نفسه:
جاء نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟ قال:"نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأتْ أمي حين حملت بي؛ أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام"(1).
فمع هذا الحديث، نعيش وإياكم هذا اليوم.
عباد الله! في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا دعوة أبي إبراهيم".
تعالوا بنا لنستمع إلى إبراهيم عليه السلام -هناك عند الكعبة- وهو
يدعو بهذه الدعوة.
(1)"السلسلة الصحيحة"(1545).
دعا إبراهيم عليه السلام، ومرت الأيام والأعوام وقد استجاب الله -تعالى- دعوته، وبعث في الأميين -أي: في العرب- رسولاً منهم، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2].
عباد الله! وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "وبشرى عيسى"، أي: وأنا بشرى عيسى عليه السلام، فها هو عيسى عليه السلام يبشر أمته برسولنا صلى الله عليه وسلم، والله تبارك وتعالى يخبرنا بذلك في كتابه، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
وأهل الكتاب من اليهود والنصارى يعلمون ذلك، وكانوا ينتظرون أن يخرج النبي منهم فلما خرج من العرب حسدوهم على ذلك وكفروا به، فإنهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، فلما جاءهم رسولنا صلى الله عليه وسلم بالبينات، قالوا هذا سحر مبين.
عباد الله! ويقول صلى الله عليه وسلم: "ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نورٌ أضاء له قصور الشام".
عباد الله! لما نجا عبد الله بن عبد المطلب من الذبح وفداه عبد المطلب بمائة
من الإبل زوجه من أشرف نساء مكة نسباً، وهي آمنة بنت وهب، ولما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم، سافر عبد الله بن عبد المطلب للتجارة، فأدركته منيته وهو راجع من سفره بالمدينة فدفن بها عند أخواله "بني عدي بن النجار" ولم ير الرسول صلى الله عليه وسلم أباه.
عباد الله! ولد صلى الله عليه وسلم يتيماً يوم الاثنين من شهر ربيع الأول
قال أعرابي: يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"ذاك يوم ولدت فيه، وأنزل عليَّ فيه"(1).
وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل وهو المجمع عليه.
عن قيس بن مخرمة قال: "ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل"(2).
عباد الله! أما الآيات التي ظهرت ليلة مولده عليه الصلاة والسلام:
عن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: والله، إني لغلام يفعةٌ -أي: إذا شبَّ ولم يبلغ-، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كلَّ ما سمعت، إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمةً بـ (يثرب): يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به" (3).
ترقب بدقة من اليهود من قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن بعث صلى الله عليه وسلم واليهود يحسدون العرب على ما منّ الله تبارك وتعالى عليهم ببعثة هذا الرسول الكريم.
(1) رواه مسلم (رقم 1162).
- فائدة: وفي هذا بيان للاحتفال الشرعي بمولده وهو صوم يوم الاثنين، وليس كما يفعل المبتدعة من الاحتفال السنوي بمولده وما يكون فيه من مخالفات شرعية.
(2)
"صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 13).
(3)
قال الشيخ الألباني في "صحيح السيرة النبوية"(ص 14): "إسناده حسن".
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حبر من أحبار الشام:"قد خرج في بلدك نبي، أو هو خارج، قد خرج نجمه، فأرجع فصدقه واتبعه"(1).
عباد الله! ومن الآيات التي ظهرت عند ولادته صلى الله عليه وسلم، أن أمه رأت نوراً خرج منها أضاء لها قصور الشام، كما قال صلى الله عليه وسلم:"ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام"(2).
قال ابن رجب رحمه الله: "وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وأزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة: 15 - 16]. وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157](3).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب: 45 - 46].
(1) إسناده حسن قاله الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح السيرة النبوية"(ص 14).
(2)
مضى تخريجه (ص36).
(3)
"لطائف المعارف"(89).
عباد الله! وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "أضاء له قصور الشام". قال ابن كثير رحمه الله: وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله وبها ينزل عيسى ابن مريم ليكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويحكم في الناس بشريعة الإِسلام، ولهذا جاء في "الصحيحين" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"(1).
والشام هي أرض فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزء من العراق، وهذه أرض مباركة قد بارك الله فيها في كتابه الكريم في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1].
الموضع الثاني: قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} [الأنبياء: 71].
الموضع الثالث: قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81].
قال ابن جرير الطبري: الأرض التي باركنا فيها، يعني الشام.
(1) وفي "صحيح البخاري" رقم (3641): (وهم بالشام) من قول معاذ رضي الله عنه، وانظر
"صحيح مسلم"(1920)، "تفسير ابن كثير"(1/ 184).
عباد الله! وجاءت الأحاديث النبوية الكثيرة تخبر عن فضائل الشام.
يقول صلى الله عليه وسلم: "طوبى لأهل الشام، طوبى لأهل الشام، طوبى لأهل الشام قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال- صلى الله عليه وسلم: "تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام" (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: ستُجندون أجناداً، جند بالشام، وجند بالعراق وجند باليمن"
فقام رجل فقال: خر لي يا رسول الله! فقال: "عليكم بالشام .. فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله".
قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث. يقول: "ومن تكفل الله به فلا ضيعه عليه"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إني رأيت عمود الكتاب، انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمدَ به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"(4).
نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم من الطائفة المنصورة.
عباد الله! قد سمعتم عن الآيات التي أخبرنا الله فيها أنه قد بارك في بلاد الشام وقد سمعتم عن الأحاديث التي قد جاءت تتكلم عن فضل الشام، وهاهم اليهود يدنسون بلاد الشام فما من تبرج ولا شرك ولا فساد إلا
(1)"فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 12).
(2)
"فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 13).
(3)
"فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 14).
(4)
"فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 19).
ووراءه اليهود.
عباد الله! إن الله لا ينصر قوم حتى ينصروه في أنفسهم، قال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [محمد: 7].
أما آن الأوان يا أمة الإِسلام عامة، ويا أهل الشام خاصة، أن نعود إلى الله؟ أظن أنه قد آن الأوان.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
اللهم أعز الإِسلام والمسلمين.