الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا هو موقف اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى المدينة، حقد بغضاء حسد عداوة.
العنصر الثالث: معاملة النبي- صلى الله عليه وسلم لليهود في المدينة
.
عباد الله! لما استقرت الأوضاع في المدينة، تطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حماية المدينة من الداخل- وهذا ما يقال في لغة العصر تأمين الجبهة الداخلية- فسعى إلى أن يكون بينه وبن اليهود -وهم على دينهم- حسن جوار فلا يؤذيهم ولا يؤذونه، ولا يعتدي عليهم ولا يعتدون عليه، فدعى النبي- صلى الله عليه وسلم إلى معاهدة سلم تكفل لهم الحرية الكاملة التامة في دينهم وأموالهم، وتضمن لهم أن يعيشوا في جوار النبي- صلى الله عليه وسلم في سلم وسلام، وأمن وأمان.
وكان من مقتضى هذه المعاهدة أن يكون المسلمون واليهود يداً واحدة ضد كل من قصد المدينة بسوء.
وكان في المدينة من اليهود ثلاث طوائف: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، فعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً على المسالمة، وعلى النصرة والمؤازرة ضد كل من يقصد المدينة بسوء.
عباد الله! وأخذ النبي- صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على الوفاء، وأداء الأمانة، وينهاهم عن الغدر والخيانة، ويأمرهم باحترام هذه المعاهدة واحترام أهلها، ويحذرهم من الاعتداء على أهل هذه المعاهدة في نفس أو مال، فجعل صلى الله عليه وسلم يقول:"ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"(1).
(1)"صحيح أبي داود"(2626).
وجعل صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً"(1).
عباد الله! وتأليفاً من النبي صلى الله عليه وسلم لقلوب اليهود، وطمعاً في إسلامهم: توجه صلى الله عليه وسلم في صلاته إلى بيت المقدس بأمر الله له.
ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء؛ فسألهم عن سبب صيامهم فقالوا: ذاك يوم نجَّى الله تعالى فيه موسى وبني إسرائيل، وأهلك فرعون وملأه؛ فنحن نصومه شكراً لله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم:"نحن أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه" (2).
وظل صلى الله عليه وسلم يوافقهم على ما هم عليه؛ فيما لم يأته فيه وحي من الله عز وجل تأليفاً لقلوبهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه.
"وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد"(3).
سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته تأليفاً منه لليهود، وموافقة لهم حتى يكون قريباً منهم، ومع ذلك لم يستجيبوا له، ثم فرق بعد أن دخل الوثنيون في الإِسلام وأبى اليهود إلا الكفر.
عباد الله! وكان القرآن الكريم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً في العلاقة بين
(1) رواه البخاري (رقم 3166).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2005)، ومسلم (رقم 1131).
(3)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 3558)، ومسلم (رقم 2336) واللفظ له.
المسلمين واليهود، وبين المسلمين والوثنيين.
فنهى الله تعالى رسوله والمسلمين عن أكل طعام الوثنيين وعن الزواج منهم، قال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وقال تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]، وقال تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221]، وقال تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10].
نهيٌ عن أكل ذبائح المشركين، ونهى عن الزواج منهم.
أما اليهود والنصارى فقد أحل الله تعالى طعامهم والزواج منهم.
عباد الله! ونزل القرآن الكريم يدعو اليهود والنصارى إلى الإيمان، ويرغبهم فيه، وينهاهم عن الكفر.
قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة: 15 - 16]، وقال تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64]، وقال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)} [آل عمران: 70 - 71].
عباد الله! ومع ذلك كله، فقد أصر اليهود على الكفر، واستكبروا استكبار، ومكروا للإسلام والمسلمين مكراً كباراً، فمن مكرهم وخديعتهم، أن يدخل في الإِسلام نفر منهم أول النهار، ويجلسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المسلمين، ويراهم المسلمون جميعاً، حتى إذا كادت الشمس تغرب رجع هؤلاء اليهود عن إسلامهم آخر النهار وذلك حتى يقال: إن اليهود أهل نبوة وأهل كتاب، وعندهم علم من السماء فقد دخلوا في الإِسلام يظنونه دين الحق، فلما دخلوا فيه تبين لهم أنه ليس دين الحق، ولذلك رجعوا عنه فتكون هذه فتنة لضعاف الإيمان، والذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم بعد، والله عز وجل الذي خلقهم يعلم طبائعهم وخبثهم، فأخبرنا في كتابه عن صنيعهم، قال:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 72 - 73].
وحذر ربنا -جل وعلا- اليهود من هذا الفعل، فقال تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)} [آل عمران: 99].
عباد الله! وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه عما تحمله اليهود في قلوبهم نحو المسلمين والإِسلام، وقال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]، وقال تعالى:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 105]، وقال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: 82]، وقال تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
عباد الله! من أجل ذلك حذر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين من أهل الكتاب- اليهود والنصارى-
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)} [آل عمران: 118 - 120]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 100 - 101].