الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثالثة والثلاثون: غزوة بني قينُقاع وغزوة بني النضير
عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحديثنا في هذا اللقاء سيكون عن غزوة بني قينقاع وغزوة بني النضير.
عباد الله! عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً من مكة بدأ ببناء المسجد، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم عقد معاهدة مع اليهود في المدينة تَكْفُلُ لهم الحرية الكاملة في دينهم وعقائدهم، وتضمن لهم أن يعيشوا في جوار النبي صلى الله عليه وسلم، في سلم وسلام، وأمنٍ وأمان.
وكان من مقتضى هذه المعاهدة، أن يكون المسلمون واليهود يداً واحدة ضدَّ كل عدو يقصد المدينة بسوء، وأن يحافظ الجميع على الأمن الداخلي في المدينة.
وكان اليهود في المدينة ثلاث طوائف: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، فعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً.
وأخذ النبي- صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على الوفاء، ويحذرهم من الغدر والخيانة، ويحثهم على احترام هذه المعاهدة وعلى احترام أهلها، ويحذرهم من الاعتداء على أهل هذه المعاهدة في نفسٍ أو مالٍ.
فقال- صلى الله عليه وسلم: "ألا من ظلم معاهداً، أو انتقضه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"(1).
(1)"صحيح سنن أبي داود"(2626).
وقال- صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً"(1).
عباد الله! وحافظ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على هذه المعاهدة، ولم يأت من المسلمين ما يخالف حرفاً واحداً من نصوصها، ولكن اليهود الذين ملأوا تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث العهود؛ لم يلبثوا أن تمشوا مع طبائعهم القديمة، فغدروا وخانوا، ونقضوا العهود والمواثيق بعد أن نصر الله المسلمين في بدرٍ.
وكان أول مَنْ غَدَرَ يهودُ بني قينقاع، وكان ذلك بعد غزوة بدرٍ الكبرى بشهرٍ واحد، ثم غدرت بنو النضير بعد غزوة بدرٍ بستة أشهر، كما ذكر الإِمام البخاري في "صحيحه"، ثم غدرت بنو قريظةَ في غزوة الأحزاب، فعاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعقاب الذي يليق بهم وبغدرهم {جَزَاءً وِفَاقًا (26)} ، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، وَأَقَرَّ قريظة ومنَّ عليهم؛ حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا أن بعضهم، لحقوا بالنبي- صلى الله عليه وسلم فأمَنَهُم وأسلموا، وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينةُ كلهم بني قينقاع (وهم قوم عبد الله بن سلام)، ويهود بني حارثة، وكل يهوديٍّ كان في المدينة (2).
(1) رواه البخاري (رقم 3166).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 4028)، ومسلم (رقم 1766).