الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة العشرون: الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من الإسراء والمعراج
عباد الله! موعدنا في هذا اليوم- إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحديثنا في هذا اللقاء سيكون عن الدروس والعظات والعبر؛ التي تؤخذ من قصة الإسراء والمعراج.
عباد الله! في الجمعة الماضية تبين لنا أنه أسري برسولنا صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى، إلى سدرة المنتهى إلى حيث شاء الله تبارك وتعالى وقد فرض الله تبارك وتعالى على رسولنا صلى الله عليه وسلم الصلاة، وقد رأى رسولنا صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى، ثم عاد إلى المسجد الأقصى، ثم إلى المسجد الحرام في نفس الليلة، وكان ذلك بالروح والجسد، وفي اليقظة لا في المنام، وقد تبين لنا أن الإسراء والمعراج ثابت بالكتاب والسنة.
أمة الإسلام! قصة الإسراء والمعراج فيها دروس وعظات وعبر كثيرة جداً منها:
أولاً: أهمية المسجد الأقصى في الإِسلام
.
عباد الله! إذا كنتم قد نسيتم المسجد الأقصى فها نحن نذكركم به؛ المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض؛ لعبادة الله وتوحيده.
سئل صلى الله عليه وسلم: أي بيت وضع في الأرض أول؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "المسجد الحرام" قيل: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قيل: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة"(1).
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 3366)، مسلم (رقم 520).
المسجد الأقصى رفع بناءه وجدده سليمان بن داود عليهما السلام: عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بني بيت المقدس -أي المسجد الأقصى- (وفي رواية: لما فرغ من بناء مسجد بيت المقدس)، سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة .. " الحديث (1).
الشاهد منه يا عباد الله! أن الذي رفع بناء المسجد الأقصى وجدده؛ هو سليمان بن داود عليهما السلام.
المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى.
عن البراء رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمرّ على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت .. " الحديث (2).
فكان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء، يرغب، ويسأل ربه أن يحول قبلته إلى المسجد الحرام، فاستجاب الله له، قال تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].
أمة الإسلام! المسجد الأقصى مسجد مبارك، بارك الله فيه وحوله من بركات الدنيا والدين، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ
(1)"صحيح سنن النسائي"، (رقم 669)، "صحيح ابن ماجه"(رقم 1408).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 40)، ومسلم (رقم 525).
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] وقال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} [الأنبياء: 71] وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81] وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)} [سبأ: 18].
المراد بها المسجد الأقصى.
فهذه البلاد المباركة المقصود منها، هي، بيت المقدس، نسأل الله تبارك وتعالى أن يردها للمسلمين من أيدي إخوة القردة والخنازير.
أمة الإسلام! الصلاة في المسجد الأقصى فضلها عظيم.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بني بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة: سأل الله عز وجل حُكماً يُصادفُ حكمه فأُوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأُوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحدٌ لا ينهزهُ -أي يدفعه- إلا الصلاةُ فيه، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمة (وفي رواية: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمَّا اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة"(1).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟.
(1) مضى قريباً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو .. " الحديث (1).
فتكون الصلاة في المسجد الأقصى بمئتين وخمسين صلاة.
أمة الإسلام! أنسيتم المسجد الأقصى! هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه عرج به إلى السماء.
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} .
وقال صلى الله عليه وسلم: "
…
ثم ربط البراق في الحلقة التي تربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت تحية المسجد ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء فيه خمر، وإناء فيه لبن فاخترت اللبن، فقال جبربل: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء .. " الحديث
أي عرج من المسجد الأقصى إلى السماء، وفي هذه إشارة أنه كما أن النبوة انتقلت من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهذه بشرى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمين إلى يوم القيامة بأن قيادة البشرية ستنتقل من أيدي بني إسرائيل؛ لأنهم عصوا الله وملأوا الأرض غدراً وخيانة، ستنتقل إلى الأمة الإِسلامية، بقيادة رسولها صلى الله عليه وسلم وقد فتحت الأمة الإِسلامية الدنيا من مشرقها إلى مغربها، لما كانوا متمسكين بدينهم، وبسنة رسولهم لكن لما انشغلوا بالدنيا وحطامها فقد ضيعوا الدنيا والبلاد من مشرقها إلى مغربها، ولذلك، نقول إذا أردتم يا أمة الإِسلام أن يعود الأقصى إليكم وتحرروا أرضكم من الكفار
(1)"السلسلة الصحيحة"(2902).