الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العنصر الرابع: أحداث الفتح.
العنصر الخامس: الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من فتح مكة.
العنصر الأول: سبب هذا الفتح
صَالَحَ النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً صلح الحديبية، وأعطاهم فيه كل ما سألوه مما يعظم حرمات الله، وكان من بنود هذا الصلح:
أولاً: وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين.
ثانياً: من أحب أن يدخل في عقد محمَّد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأن القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين تعتبر جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من تلك القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق، وحسب هذا البند دخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في عهد قريش.
عباد الله! وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفياً لقريش بعدها، ملتزماً بكل شروط الصلح، حتى إذا كانت السنة الثامنة للهجرة عَدَتْ بنو بكر حليفة قريش على خزاعة حليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتلت منهم رجالاً، وعاونتهم قريش على هذا الاعتداء فنقضت بذلك عهدها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وتعرف قريش أن هذا نقض صريح لصلح الحديبية، وعدوان سافرٌ على حلفاء المسلمين؛ ولذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الوقت قد حان للقضاء على قريش.
العنصر الثاني: رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد للخروج إلى مكة في سرية تامة
.
عباد الله! أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره للجيش المسلم بالتجهيز والاستعداد للخروج للغزو، ولم يُعلمهم بوجهته، وحرص صلى الله عليه وسلم على السرية التامة لئلا تستعد قريش للقتال، وقد استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم القبائل التي حول المدينة:
أسلمُ وغفار وَمُزينة وجهينة وأشجع وسليم وخرج المهاجرون والأنصار فلم يتخلف منهم أحد.
عباد الله! وقد بلغ عدد الجيش الإِسلامي عشرة آلاف مقاتل، وهذا العدد الكبير يدل على تعاظم قوة المسلمين ما بين صلح الحديبية وفتح مكة.
عباد الله! ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، كتب أحد الصحابة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في المسير إليهم لغزوهم، وحملت الكتاب امرأةٌ، إلا أن الوحي من السماء كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبق من الكتاب إلى قريش، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه من أتاه بهذا الكتاب الذي بعث إلى قريش.
عباد الله! تعالوا بنا إلى عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه لنستمع إليه وهو يخبرنا الخبر: يقول عليٌّ رضي الله عنه: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال صلى الله عليه وسلم: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ -مكان بين مكة والمدينة وهو من المدينة أقرب- فإن بها ظعينة -امرأة في هودج- معها كتاب من حاطب فأتوني به".
قال عليٌّ: فانطلقنا تتعادى (أي تجري) بنا خيلُنا حتى أتينا روضة خاخ فإذا نحن بالظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي من كتابٍ، فقلنا: لتخرجنَّ الكتاب أو لنُلْقِين الثياب، فأخرجته من عِقاصِها -ضفائرها- فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى نفر من قريش، يخبرهم فيه ببعض أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا حاطب؟ "
فقال: يا رسول الله لا تعجل عليّ! ما فعلته كفراً بعد الإسلام، ولا ردَّة عن الدين بعد إذ هداني اللهُ إليه، ولكني كنت امرءاً مُلصقاً في قريش ولم
أكن مِن أنفسهم، وما من أحدٍ من أصحابك إلا له أهلٌ في قريش يحمون ماله وأهله، فأردت إن فاتني ذلك من النسب أن أتخذ بهذا الكتاب عندهم يداً يحمون بها أهلي ومالي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه قد صَدَقكم".
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عُنق هذا المنافق.
فقال صلى الله عليه وسلم: يا عمر أو ليس قد شهد بدراً؟
وما يدريك لعلَّ الله قد اطلع على أهل بدرٍ فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم، فأنزل الله تبارك وتعالى في حاطب بن أبي بلتعة وكتابه الذي بعث به إلى قريش سورة الممتحنة.
عباد الله! وهكذا أخفى الله تبارك وتعالى عن قريش خبر خروج رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم، وكذلك ما يستطيع أحد أبداً أن يتكلم في حق حاطب الصحابي الجليل رضي الله عنه لأنه شهد بدراً وشفعت له حسنته الكبيرة بشهوده في بدر ما فعل.
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 3007)، ومسلم (رقم 2494).