الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهناك زيادة في "مسند الإِمام أحمد"(1): أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم مرّ عليه بعد ما قتل فقال صلى الله عليه وسلم "كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة"(2).
5 - عبد الله بن جحش رضي الله عنه
-:
عن سعيد بن المسيب قال: "قال عبد الله بن جحش: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غداً فيقتلوني ويجدعوا أنفي وأذني ثم تسألني بم ذاك؟ فأقول: فيك.
قال سعيد: إني لأرجو أن يبر الله آخر قسمه كما بر أوله" (3).
وهذا الشاهد من زيادة في آخره قال سعد: فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه معلقتان في خيط" (4).
سادساً: عزى الله نبيه وأولياءه في شهدائهم الذين قتلوا يوم أحد، أحسن عزاء وألطفه وأبره، فقال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)} [آل عمران: 169 - 170].
عن مسروق قال: سألنا ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية فقال:
أما إنا قد سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أرواحهم في جوف طير
(1)(رقم 22553 - المؤسسة).
(2)
قاله الشيخ الألباني في تحقيق "فقه السيرة"(ص 262): "وسنده صحيح".
(3)
رواه الحاكم (3/ 199 - 200) وقال: صحيح على شرط الشيخين لولا إرسال فيه. ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني: لكن له مشاهد موصول أخرجه البغوي كما في الإصابة.
(4)
انظر "فقه السيرة": تحقيق الألباني (ص 292).
خضرٍ، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لم يتركوا مِن أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس بهم حاجة تركوا" (1).
عباد الله! وأنزل الله عز وجل قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، يمسح به جراحات المسلمين ويزيل به عنهم ما أصابهم في غزوة أحد، فقال تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} [آل عمران: 137 - 142].
سابعاً: فائدة:
إن الذي يقرأ الآيات الستين التي نزلت في سورة آل عمران تتحدث عن غزوة أحد، يرى أن الله تبارك وتعالى تخللها بنداء على المؤمنين يحذرهم فيه من أكل الربا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا
(1) رواه مسلم (رقم 1887).
مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران: 130 - 132].
فهذا سؤال يفرض نفسه علينا الآن.
ما السر، وما الحكمة في النهي عن الربا في هذا الموضع؟
الجواب: أن الجهاد في سبيل الله محتاجٌ للمال كما هو محتاج للنفس، ولذلك قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} ثم قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)} [الأنفال: 60] والجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 10 - 11].
والنبي- صلى الله عليه وسلم يقول: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"(1).
عباد الله! وكما يجب أن تخلص النوايا من كل الشوائب، يجب أن تخلص الأموال التي تنفق في الجهاد من كل الشوائب، وأوسخ شائبة تشوب المال هي شائبة الربا، وإنفاق المال الربويّ في الجهاد في سبيل الله من أكبر أسباب الهزيمة والخذلان.
(1)"صحيح سنن أبي داود"(2186).
وذلك لأن أكل الربا من أكبر الكبائر، والمعاصي -كما تبين لنا- من أسباب الهزيمة والخذلان.
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ظهر الزنا والربا في قريةٍ، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله"(1).
عباد الله! وأعلن الله تبارك وتعالى الحرب على آكل الربا، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة: 278 - 279]
عباد الله! والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الربا تحذيراً شديداً.
فقال صلى الله عليه وسلم: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستةِ وثلاثين زينة"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه"(3).
عباد الله! ولما كان الله تعالى يعلم المؤمنين ويربيهم على الابتعاد عن كل عوامل الهزيمة والخذلان، عرفهم بجريمة الربا أثناء الحديث عن غزوة أحد ليبتعدوا عنها ويتقوها.
فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً
(1)"صحيح الجامع"(692).
(2)
"صحيح الجامع"(3375).
(3)
"صحيح الجامع"(3539).
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)}.
عباد الله! ولقد استفاد المسلمون الأولون مما نزل عليهم من عند ربهم في شأن غزوة أحد استفادة عظيمة، فما هزموا بعدها لأنهم أخذوا منها العبر والعظات وتجنبوا أسباب الهزيمة والخذلان، فكان النصر حليفهم بفضل الله.
{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)} [آل عمران: 126].