الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة السابعة عشرة
إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما
أيها الإخوة عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحديثنا في هذا اللقاء سيكون عن إسلام حمزة ابن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
عباد الله! تبين لنا من الجُمع السابقة أن كفار مكة استخدموا جميع الأساليب لمنع الناس من الدخول في دين الله ولكنهم فشلوا في ذلك، قال تعالى:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} [يوسف: 21]، وقال تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [التوبة: 32 - 33].
عباد الله! كفار مكة بالليل والنهار يحاولون أن يمنعوا الناس من الدخول في دين الله، ومع ذلك الناس في كل يوم يدخلون في دين الله ويتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
…
أتعرفونه؟ عمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سيد الشهداء عند الله يوم القيامة؟ حمزة بن عبد المطلب"(1).
(1)"صحيح الجامع"(3570).
يروى في سبب إسلامه رضي الله عنه أن جارية عيَّرته بإيذاء أبي جهل لابن أخيه محمَّد صلى الله عليه وسلم فتوجه إليه وغاضبه وسبه وقال له: كيف تسب محمداً وأنا على دينه، فشجه شجة منكرة، فكان إسلامه في بداية الأمر أنفة، ثم شرح الله صدره بنور اليقين، حتى صار من أفاضل المؤمنين" (1).
وعن محمَّد بن كعب القرظي قال: كان إسلام حمزة رضي الله عنه حمية، وكان يخرج من الحرم فيصطاد، فإذا رجع مرَّ بمجلس قريش، وكانوا يجلسون عند الصفا والمروة، فيمر بهم فيقول: رميت كذا وكذا وصنعت كذا وكذا ثم ينطلق إلى منزله، فأقبل من رميه ذات يوم فلقيته امرأة فقالت: ماذا لقي ابن أخيك من أبي جهل، شتمه وتناوله وفعل وفعل، فقال: هل رآه أحدٌ؟ قالت: إي والله لقد رآه الناس، فأقبل حتى انتهى إلى ذلك المجلس عند الصفا والمروة، فإذا هم جلوس وأبو جهل فيهم، فاتكأ على قوسه، وقال: رميت كذا وكذا وفعلت كذا وكذا، ثم جمع يديه بالقوس فضرب بها بين أذني أبي جهل فدق سنتها، ثم قال: خذها بالقوس، وأخرى بالسيف، أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالحق من عند الله قالوا: يا أبا عمارة إنه سب آلهتنا، وإن كنت أنت- وأنت أفضل منه- ما أقررناك وذاك، وما كنت يا أبا عمارة فاحشاً" (2).
عباد الله! ثم شرح الله صدر حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه للإسلام وثبت عليه، فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه
(1) رواه ابن إسحاق (1/ 304).
(2)
قال الهيثمي: رواه الطبراني مرسلاً ورجاله رجال الصحيح "مجمع الزوائد"(9/ 261).
فكفوا عن بعض ما كانوا ينالوا منه" (1).
عباد الله! وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. أتعرفونه؟ الفاروق الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب"(2) وقال عنه صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدَّثون" -أي ملهمون- "فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر"(3). وقال عنه صلى الله عليه وسلم: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر"(4).
الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال عن نفسه: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله! يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيْرة فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت كذلك" (5).
أمة الإسلام! كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل إسلامه من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأكثرهم إيذاء وتعذيباً للمسلمين، قال سعيد بن زيد رضي الله عنه وهو ابن ابن عم عمر، وزوج أخته فاطمة بنت الخطاب-: "والله لقد رأيتني وإن
(1)"البداية والنهاية"(3/ 33).
(2)
"السلسلة الصحيحة"(327).
(3)
رواه البخاري (رقم 3689) من حديث أبي هريرة، ومسلم (رقم 2398) من حديث عائشة.
(4)
"صحيح الجامع"(2492).
(5)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 402)، ومسلم (رقم 2399).
عمر لموثقي على الإِسلام قبل أن يسلم" (1).
عباد الله! كان عمر بن الخطاب رجلاً قوياً مهيباً، وكان يؤذي المسلمين ويشتد عليهم، حتى يئس بعضهم من إسلامه لما رأى من غلظته وقسوته على المسلمين، ولكن شدة عمر الظاهرة تكمن خلفها رحمة ورقة، وكان بعض المسلمين مما يرى من قسوة عمر على المسلمين كان يقول: بأنه لا يمكن أبداً أن يسلم عمر.
عن أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: "والله، إنا لنترحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر بن ربيعة (تعني زوجها) في بعض حاجاتنا؛ إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه، قالت: وكنا نلقي منه من البلاء؛ أذى لنا وشدة علينا، قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبد الله؟
قلت: نعم، والله لنخرجن في أرض من أرض الله- إذ آذيتمونا وقهرتمونا- حتى يجعل الله لنا مخرجاً.
قالت: فقال: صَحِبَكُم الله. ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه- فيما أرى- خروجنا.
قالت: فجاء عامر (وهو زوجها) بحاجته تلك.
فقلت له: يا أبا عبد الله! لو رأيت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا!
قال: أطمعت في إسلامه؟
قالت: نعم.
قال: لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب!
(1) رواه البخاري (رقم 3862).