الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العنصر الثاني: الجيش الإِسلامي في طريقه إلى خيبر
.
عباد الله! رجع النبي- صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة من السنة السادسة للهجرة، وبعد شهر واحد خرج بجيش المسلمين إلى خيبر، وهو على يقين من النصر والفتح، لما وعده الله تعالى أثناء عودته من صلح الحديبية.
قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)} [الفتح: 18 - 19].
عباد الله! وبينما يسير الجيش المسلم إلى خيبر ذات ليلة إذ قال رجل من الصحابة لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك -وكان عامر بن الأكوع رجلاً شاعراً- فنزل يحدو بهم وهو يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداءً لك ما اتقينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا
…
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
…
وإن أردوا فتنةً أبينا
فقال صلى الله عليه وسلم: "من هذا السائق" فقالوا: عامر بن الأكوع.
فقال صلى الله عليه وسلم: "يرحمه الله" فقال رجل من القوم: يا رسول الله وجبت -أي:
أنه يرزق الشهادة بدعائك له ووجبت له الجنة- لولا أمتعتنا به" (1).
وكان الصحابة رضي الله عنه يعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استغفر لرجل منهم يخصه؛ استشهد، فعلموا أن عامر بن الأكوع سيستشهد في غزوة خيبر.
عباد الله! وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا صعدوا كبروا، وإذا نزلوا سبحوا (2). فأشرفوا على واد فرفعوا صوتهم بالتكبير: الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "أربعوا على أنفسكم، أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً قريباً وهو معكم"(3).
عباد الله! ولما أشرف الجيش المسلم على خيبر، قال لهم صلى الله عليه وسلم "قفوا"، ثم تضرع صلى الله عليه وسلم إلى ريه بهذا الدعاء "اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها. ونعوذ بك من شر هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها"(4).
لتعلموا يا أمة الإِسلام أن جيش الإِسلام ذاكراً لله دائماً في سفره وحضره.
عباد الله! وصل جيش الإِسلام إلى أسوار خيبر، وبات- صلى الله عليه وسلم والمسلمون خارج خيبر، واليهود لا يشعرون، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون صلوا
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 4196)، ومسلم (رقم 2477).
(2)
رواه البخاري (رقم 2993).
(3)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 4205)، ومسلم (رقم 2704).
(4)
حسنه الألباني في "فقه السيرة"(ص 340)
الفجر في أول وقته، ثم دخلوا خيبر واليهود خارجون إلى مزارعهم بآلات الزراعة.
فلما رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم والجيش قالوا: محمَّد والله، محمَّد والخميس: -أي الجيش- ثم فروا هاربين، ودخلوا حصونهم كما وصفهم الله في كتابه، فقال تعالى:{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 13 - 14].
عباد الله! فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما بهم من الرعب قال: "الله أكبر خربت خيبر، الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين"(1).
الرعب يدب في قلوب الكفار إذا كنا على ديننا، أمَّا إذا تركنا ديننا فقد أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم "ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن".
قالوا: يا رسول الله! وما الوهن؟
قال صلى الله عليه وسلم: "حب الدنيا، وكراهية الموت"(2).
عباد الله! وتحصنت يهود خيبر في ثمانية حصون أشدها تحصناً هو (حصن ناعم) وكان هذا الحصن هو خط الدفاع الأول لليهود لمكانه (الاستراتيجي).
وكان هذا الحصين هو حصن مرحب اليهودي: ملك اليهود- الذي كان يعد بالألف -أي: كان عندهم بألف رجل-
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 371)، ومسلم (رقم 1365).
(2)
صحيح: مضى تخريجه.