الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن كل ذلك في سبيل الله ودعوة الناس إلى هذا الدين، ليتبين لك يا تارك الصلاة كيف وصلك هذا الدين، ليتبين لك يا من تتخلى عن دينك كيف وصلك هذا الدين، وصلك على جماجم الصحابة، قدموا الأرواح والأموال ليوصِّلوا لك هذا الدين وأجرهم عند الله، ليعلم الجميع أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى رجال يقدمون الروح والمال رخيصة في سبيل هذا الدين العظيم.
قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} [آل عمران: 142]، وقال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} [البقرة: 214].
عباد الله! أما الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من مأساة يوم الرجيع ومأساة بئر معونة فهي:
أولاً: الغدر والخيانة من أخلاق الكفار واليهود
، وليست من أخلاق المسلمين ويظهر ذلك مما فعله المشركون بالصحابة من حادثة يوم الرجيع، وفي حادثة بئر معونة؛ فهذا أكبر دليل على أن المشركين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، أما المسلمون فلا يغدرون ولا يخونون ويظهر ذلك من فعل خبيب بن عدي رضي الله عنه عندما كان سجيناً عند بني الحارث، وتدحرج الغلام الصغير حتى وصل إلى خُبيب فأخذه خبيب ووضعه على فخذه، فلما خافت أم الغلام قال لها خبيب: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله.
ثانياً: إثبات كرامة الأولياء
.
- ويظهر ذلك مما حدث لخبيب رضي الله عنه، عندما كان مسجوناً عند بني الحارث
تقول إحدى بنات الحارث: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقهُ الله".
- ويظهر ذلك أيضاً مما حدث مع عاصم بن ثابت رضي الله عنه عندما دعا فقال: "اللهم أخبر عنا نبيك" فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وعندما دعا فقال:"اللهم إني أحمي لك اليوم دينك فاحمي لي لحمي"، فاستجاب الله لعاصم، فحمى لحمه من الكفار عندما أرادوا أن يقطعوا رأسه، فأرسل الله مثل الظلة من الدبابير فحمت لحمه من الكفار فلم يقدروا منه على شيء.
فالله يكرم أوليائه بكرامات ولكن الولي لا يخبر بهذه الكرامات ولا يصور نفسه بأفلام الفيديو لتنشر في العالم، فالله تعالى يقول:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} [النجم: 32].
والله سبحانه وتعالى له أولياء، وللشيطان أولياء فلا بد للمسلم أن يميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فقد وصف الله تعالى أولياءه فقال تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} [يونس: 62 - 63].
فإذا ظهرت خارقة على يد رجل ما، نظرنا في حاله فإذا كان من المؤمنين الصادقين المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أولياء الرحمن، وإن كان من المشعوذين الدجالين المخالفين لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أولياء الشيطان.
ثالثاً: جواز الدعاء على الكفرة والمشركين بالعموم، ويؤخذ ذلك من
دعوة خبيب رضي الله عنه على المشركين عندما عزموا على قتله فقال: "اللهم أحصهم عدداً". ويؤخذ أيضاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعا شهراً كاملاً على الذين قتلوا السبعين من القراء.
رابعاً: الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب
ويظهر ذلك مما حدث للصحابة من مأساة يوم الرجيع، ومأساة بئر معونة، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب ويعرف أن ذلك سيحدث لأصحابه ما أرسلهم.
وقد دلت الأدلة من كتاب ربنا على أن الرسل لا يعلمون الغيب إلا ما أعلمهم الله به.
قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188].
وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} [الجن: 26 - 27].
خامساً: التمسك بالسنة إلى الموت
وبظهر ذلك من تعظيم الصحابي لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن خبيباً مع أنه في أسر المشركين، ويعلم أنه سيقتل بين عشية أو ضحاها، ومع ذلك كان حريصاً على سنة الاستحداد واستعار الموسى لذلك، وفي هذا واعظ لمن يستهين بكثير من السنن، بل وكثير من الواجبات بحجة أنه لا ينبغي أن ينشغل المسلمون بذلك للظروف التي تمر بها الأمة، وفي الواقع لا منافاة بين تعظيم السنة والدخول في شرائع الإِسلام كافة، والسعي لإقامة شرع الله، والله تعالى يقول:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} .
وقال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .
أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم من المتمسكين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.