الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عباد الله! ولما بلغ الخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأتينا بخبر القوم؟ " -أي بخبر بني قريظة- قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: أنا يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر القوم؟ " قال الزبير: أنا يا رسول الله.
قال- صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر القوم؟ " قال الزبير: أنا يا رسول الله ثلاث مراتٍ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبيٍ حوارياً، وحواريَّ الزبير بن العوام"(1).
يقول الزبير رضي الله عنه فأتيتهم فأتيته بخبرهم -أي أنهم فِعْلاً غدروا وخانوا، فازداد المؤمنون شدة على شدتهم وخوفاً على خوفهم؛ لأن الأحزاب إذا دخلوا من الخلف ضربوهم ضربهَ قاضية ولكن الله سلّم. فما إن وقعت الفرقة بين الأحزاب وبني قريظة.
العنصر الثاني: الجزاء من جنس العمل
عباد الله! عندما أراد اليهود- قاتلهم الله- بتحريضهم الكفار على المسلمين وبغدرهم أن يستاصلوا المسلمين من على وجه الأرض؛ وقع ذلك بهم فقتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبى نسائهم وذراريهم وأخذوا أرضهم وأموالهم {جَزَاءً وِفَاقًا (26)} {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)} .
عباد الله! تعالوا بنا لنتعرف على ما نزل بيهود بني قريظة ومَنْ تعاون معهم بعد غدرهم برسول الله- صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب.
عباد الله! رجعت الأحزاب إلى ديارهم يجرون أذيال الخيبة والخسران، لم ينالوا خيراً بعد أن أرسل الله عليهم ريحاً وجنوداً من عنده، قال تعالى: {وَرَدَّ
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2846)، ومسلم (رقم 2451).
اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)}، ورجع كذلك الوفد اليهودي- الذي خرج من خيبر لتحريض الأحزاب لغزو المدينة- إلى أرضهم.
عباد الله! فلما رأت بنو قريظة أنهم وحدهم في المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوا أنهم قد هلكوا بسبب غدرهم ونقضهم عهد النبي- صلى الله عليه وسلم، دخلوا حصونهم وأغلقوا أبوابهم، وجلسوا ينتظرون ما يُفعل بهم.
ودخل معهم حييُّ بن أخطب اليهودي وفاءاً بعهده لسيدهم كعب القرظي، حيث كان حين دعاه إلى نقض العهد والغدر أعطاه عهداً وميثاقاً إن لم يكن ما أراد من استئصال المسلمين أن يرجع فيدخل معه في حصنه، ليصيبه ما أصابه.
عباد الله! ورجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة بعد هذا النصر المبين على الأحزاب ووضع صلى الله عليه وسلم سلاحه وأخذ يغتسل ليزيل هذا التراب الذي غبَّر جسده الشريف، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا رسول الله! أوقد وضعت السلاح؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم".
قال جبريل: والله ما وضعناه- لتعلموا أن الملائكة كانوا يجاهدون مع المسلمين في غزوة الأحزاب-.
فقال صلى الله عليه وسلم: "إلى أين"؟ فقال جبريل عليه السلام: ها هنا وأشار بيده إلى بني قريظة (1) - إلى الخونة الذين لا يتركون الغدر-.
عباد الله! فأصدر النبي- صلى الله عليه وسلم أوامره للجيش المسلم بالخروج إلى بني قريظة
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 4117)، ومسلم (رقم 1769).
فوراً وبأسرع ما يمكن وقال لهم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"(1)، وكان ذلك بعد الظهر، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه وخرج مع الجيش
عباد الله! ها هو جيش الإِسلام بقيادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بني قريظة، وقد سبقهم جبريل عليه السلام.
ويقول أنس رضي الله عنه: "كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم موكب جبريل حين سار ورسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة"(2).
وتقول عائشة رضي الله عنها خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم فمر على بني غنم، وهم جيران المسجد، فقال لهم: مَنْ مرَّ بكم؟
فقالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته ووجهه جبريل عليه السلام فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل قد سبقه إلى بني قريظة - تقول رضي الله عنها فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسة وعشرين ليلةً، فلما اشتد حصارهم واشتد البلاء، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنه الذبح.
فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأُتي به على حمار قد حمل عليه وحفَّ به قومُهُ -أي من الأوس- وقالوا له: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك، وأهل النكاية، ومَنْ قد علمت.
فلم يرجع شيئاً ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 946)، ومسلم (رقم 1770).
(2)
رواه البخاري (رقم 4118).
فقال: قد آن لي أن لا يأخذني في الله لومة لائم.
عباد الله! وسعد بن معاذ رضي الله عنه قد أصابه سهم من رجل من المشركين في غزوة الأحزاب فأصاب أكحله فقطعه فدعا سعد ربه فقال: "اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة".
عباد الله! فلما وصل سعد رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا إلى سيدكم فأنزلوه، فأنزلوه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم -أي في بني قريظة-.
قال سعد رضي الله عنه: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم -أي نساءهم وأطفالهم- وتقسم أموالهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل، وحكم رسوله"(1).
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك"(2).
عباد الله! ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بالمدينة، ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة فخندق فيها خنادق، ثم طفق يبعث إليهم فيؤتي بهم أرسالاً -أي جماعات- فتضرب أعناقهم- العزة لله ولرسوله وللمؤمنين- وفيهم عدو الله حييُّ بنُ أخطب النضري اليهودي الذي قال- لعنه الله- عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما لمتُ نفسي في عداوتك، ثم جلس فضُرِبَتْ عنقُهُ لعنه الله.
(1) إسناده جيد انظر "مجمع الزوائد"(6/ 137، 138)، و"مسند الإِمام أحمد".
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 3043)، ومسلم (رقم 1768).
عباد الله! ولما قتل رجال بني قريظة وسبيت النساء والصبيان، وقرت عين سعد بن معاذ لذلك استجابة من الله لدعوته: توجه رضي الله عنه إلى الله تعالى بدعوة ثانية فقال: "اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش على نبيك صلى الله عليه وسلم شيئاً فابقني لها، وإن كنت أنهيت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، فسأل جرحه فلم يتوقف حتى مات رضي الله عنه (1).
عباد الله! وقد أخبرنا الله في كتابه بغزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة فقال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)} [الأحزاب: 25 - 27].
هكذا (الجزاء من جنس العمل){وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} .
أرادت بنو قريظة القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فنزل ذلك بهم، وأراد عدو الله حيي بن أخطب اليهودي استئصال المسلمين فنزل ذلك به وضرب المسلمون عنقه مع أعناق بني قريظة.
عباد الله! وهذا أبو رافع بن أبي الحقيق اليهودي، الذي ذهب مع حيي بن الأخطب اليهودي إلى كفار مكة؛ ليحرضوهم على استئصال المسلمين في المدينة، لا بد أن يأخذ جزاءه فأمر النبي- صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقتلوه.
(1)"مسند أحمد"(6/ 142).
عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى البراء بن عازب رضي الله عنه وهو يخبرنا الخبر قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالاً من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك".
وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم -أي رجعوا بمواشيهم- قال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب، لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فأدخل، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق -أي المفاتيح- على وتد.
قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها ففتحت الباب.
وكان أبو رافع يُسَمَّرُ عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت باباً أغلقت علي من داخل.
قلت إن القوم نذروا بي -أي علموا بي- لم يخلصوا إلى حتى أقتله، فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت؟
فقلت: أبا رافع، فقال: مَنْ هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش فما أغنيت شيئاً؟ وصاح فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟
فقال: لأُمِكَ الويلُ إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف.
قال: فأضربه ضربةً أثخنته، ولم أقتله، ثم وضعت ضبة السيف في بطنه حتى أَخذ من ظهره فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً حتى