الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحاقة: 42]، حتى بلغ آخر السورة. قال: فوقع الإِسلام في قلبي كل موقع" (1).
عباد الله! وهذه القصة فيها ضعف، وكذلك قصته مع أخته فاطمة حين لطمها لإسلامها وضرب زوجها سعيد بن زيد، ثم اطلاعه على صحيفة فيها آيات وإسلامه فلم يثبت شيء من هذه القصص من طريق صحيحه.
ولكن الحافظ ابن حجر ذكر بان الباعث له على دخوله في الإسلام ما سمع في بيت أخته فاطمة من القرآن .. وعدم ثبوت الروايات حديثياً لا يعني حتمية عدم وقوعها تاريخياً" (2).
ثانياً: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم! أعز الإِسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب" قال: فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب" (3).
عباد الله! استجاب الله تبارك وتعالى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاعتز به الإِسلام وفرح المسلمون بإسلامه فرحاً عظيماً، وازدادوا بإسلامه قوة ومنعة وعزة ورفعة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر"(4).
(1) قال الهيثمي في "المجمع"(9/ 62): "رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات إلا شريح بن عبيد لم يدرك عمر، فالحديث ضعيف لانقطاعه".
(2)
انظر "السيرة النبوية الصحيحة" أكرم ضياء العمري (1/ 180).
(3)
انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 193).
(4)
رواه البخاري (رقم 3684).
وقال أيضاً: "لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي"(1).
وقال أيضاً: "إن إسلامه كان نصراً" أي للإسلام والمسلمين (2).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب حين طعن: "فلما أسلمت كان إسلامك عزاً، وأظهر الله بك الإِسلام ورسول الله وأصحابه"(3).
لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يرض أن يستخفي كما يستخفي المسلمون، بل أصر على إعلان إسلامه، وإظهار دينه، والجهر بصلاته.
عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى ابن عمر رضي الله عنهما وهو يخبرنا الخبر: عن ابن عمر قال: "لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه.
قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره، وانظر ما يفعل- وأنا غلام أعقل كل ما رأيت- حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسملت ودخلت في دين محمَّد صلى الله عليه وسلم؟
قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش- وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن ابن الخطاب قد صبأ!
(1)"طبقات ابن سعد"(3/ 270) بإسناد صحيح.
(2)
"المعجم الكبير للطبراني"(9/ 181) بإسناد حسن.
(3)
"المعجم الأوسط للطبراني"(1/ 334) بإسناد حسن.
قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم.
قال: وطلح (أي أعيا) فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فاحلف بالله أن لو كنا ثلاث مئة رجلٍ لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا قال: فبينما هم على ذلك؛ إذ أقبل شيخ من قريش -عليه حلة حبرة وقميص موشى- حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟
فقالوا: صبأ عمر! قال: فمه؛ رجل اختار لنفسه أمراً؛ فماذا تريدون؟! أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟! خلوا عن الرجل، قال: فوالله؛ لكأنما ثوباً كُشط عنه.
قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى (المدينة): يا أبت! من الرجل الذي زجر القوم عنك بـ (مكة) يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟
قال: ذاك أي بني! العاص بن وائل السهمي (1).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أول من جهر بالإِسلام عمر بن الخطاب"(2)، أسلم عمر وانتشر الخبر وازداد الكفار هماً وغماً، وازداد المسلمون فرحاً وعزة ومنعة بإسلام عمر.
عباد الله! ولم يكتف عمر رضي الله عنه بذلك بل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعلن إسلامه في كل مجلس كان يجلسه في الكفر.
(1) إسناده جيد قوي، انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 191).
(2)
رواه الطبراني، وإسناده حسن، كما في "المجمع"(9/ 63).
عن عمر رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني لا أدع مجلساً جلسته في الكفر إلا أعلنت فيه الإِسلام، فأتى المسجد وفيه بطون قريش متحلقة، فجعل يُعلن الإِسلام، ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فثار المشركون، فجعلوا يضربونه ويضربهم، فلما تكاثروا خلصه رجل" (1).
عباد الله! أما الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من قصة إسلام عمر رضي الله عنه:
اْولأ: أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل: فقد انتفع عمر بن الخطاب بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
فاحذر يا أيها المسلم أن تبخل على نفسك وعلى إخوانك بالدعاء، فالدعاء مستجاب، وليس شيء أكرم على الله تبارك وتعالى من الدعاء، فادع الله تبارك وتعالى واسأله من فضله.
ثانياً: يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالهداية، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب بالهداية، فقال صلى الله عليه وسلم:"اللهم أعز الإِسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب" فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأم أبي هريرة بالهداية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإِسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإِسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما
(1) رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات كما قال الهيثمي.
أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال صلى الله عليه وسلم:"اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت مستبشراً بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم فلما جئت فصرت إلى الباب وقرُبت منه، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمي خَشَفَ قدمي، فقال: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله! أبشر، فقد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وقال:"خيراً".
عباد الله! إذا كان الدعاء للكافر بالهداية جائز ومشروع، فالدعاء للمسلم العاصي بالتوبة والرجوع إلى الله من باب أولى، فإذا رأيت مسلماً عاصياً فادع الله أن يرده إلى الإِسلام، وأن يعود إلى ربه، فدعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند الرب تبارك وتعالى.
ثالثاً: المسلم عزيز بإسلامه والكافر ذليل بكفره، فهذا عمر بن الخطاب اعتز بإسلامه فاعلن به بكل عزة وفخر أمام الكفار، كيف لا، وهو الذي قال:"كنا أذلاء فأعزنا الله بالإِسلام، فلو ابتغينا العزة بغير الإِسلام أذلنا الله".
أمة القرآن: أما آن الأوان أن نعود إلى إسلامنا لنعتز به فقط، ولا نعتز بغيره، فيا عباد الله! الرجوع الرجوع إلى الإِسلام فإن فيه والله العزة، وبه تنتصرون على أعدائكم.
اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.