الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة السابعة والثلاثون: غزوة بني المصطلِق (المريسيع)
عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع اللقاء السابع والثلاثين من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحديثنا في هذا اللقاء سيكون: عن غزوة بني المصطلق.
عباد الله! وبنو المصطلق بطن من قبيلة خزاعة، وكانوا يسكنون قديداً وعُسفان على الطريق من المدينة إلى مكة، وأول موقف عدائي لبني المصطلق من الإِسلام كان في إسهامهم واشتراكهم في جيش قريش من غزوة أحد.
عباد الله! وحديثنا عن غزوة بني المصطلق سيكون حول العناصر التالية:
العنصر الأول: أحداثُ الغزوة
.
العنصر الثاني: دور المنافقين الخبيث في هذه الغزوة.
العنصر الثالث: الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من هذه الغزوة.
العنصر الأول: أحداث الغزوة
عباد الله! تجرأت قبيلة بني المصطلق على المسلمين نتيجة لغزوة أُحُدٍ كما تجرأت القبائل الأخرى المحيطة بالمدينة، فأخذت هذه القبيلة برئاسة الحارث بن أبي ضرار تتهيأ وتستعد، بجمع الرجال والسلاح لغزو المدينة لتستأصل المسلمين.
عباد الله! ووصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق جمعوا المجموع لغزو المدينة فبعث صلى الله عليه وسلم عيونه يتأكدوا له من صحة هذا الخبر، فأكدوه، فكان لا بدَّ للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من التحرك السريع نحو هذه
المجموع لتفريقها، وتلقينها درساً قاسياً لا تنساه، ويكون رادعاً لغيرها من القبائل التي تفكر أن تحذو حذوها في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم وغزو المدينة
عباد الله! خرج النبي صلى الله عليه وسلم بجيش المسلمين إلى بني المصطلق فباغتوهم في ساعة لم يتوقعوها عند بئر يقال له المريسيع، فتفرقوا يميناً وشمالاً وولوا الأدبار، فقتل من قتل منهم، وأُسر من أُسر منهم، وسبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم النساء والذراري، وغنم الأموال دون آية مقاومة تُذكر.
عباد الله! وبهذا لقَّن النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق، وغيرهم من القبائل المجاورة درساً لا ينسونه، أراهم من نفسه أن به وبالمسلمين قوة قادرة على حماية المدينة، وردّ كل من يريدها بسوء.
عباد الله! ولما عاد الجيش من غزوة بني المصطلق، وفي الطريق إلى المدينة أدركت الجيش القائلة في وادٍ كثير العضاة فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرّق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سَمُرة فعلق بها سيفه ونام الجيش نومة، فجاء أعرابيٌ مشرك فأخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه -أي سله وهو في يده- فقال الأعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تخافنُي؟ قال- صلى الله عليه وسلم: "لا".
فقال الأعرابي: فمن يمنعك مني؟ قال صلى الله عليه وسلم: "الله- ثلاثاً"، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من يمنعك مني؟ " فقال الأعرابي: كن خير آخذٍ.
فقال له صلى الله عليه وسلم: "تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ ".
قال الأعرابي: لا، ولكني أُعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلَّى سبيله، فأتى الأعرابي أصحابه فقال:"جئتكم من عند خير الناس"(1).
(1) صحيح: "رياض الصالحين"(رقم 79) تحقيق الألباني.
إنها والله أخلاق النبوة.
عباد الله! لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقسم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق في سهم واحدٍ من الصحابة فكاتبتهُ ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه على كتابتها، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن رأيه. ودقة نظره، أن يُكرمها ويرفع من شأنها وينزلها منزلتها اللائقة بها كبنت ملك أو رئيس قوم، فعرض عليها أن يدفع عنها كتابتها ويتزوجها فوافقت رضي الله عنها.
عباد الله! تعالوا بنا لنستمع على عائشة رضي الله عنها وهي تخبرنا الخبر.
تقول عائشة رضي الله عنها: "لما قسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له، وكانت امرأةً مُلاّحة تأخذها العين، فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها، فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مقامها، وعرفت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيتُ.
فقالت: يا رسول الله! إني جويرية بنت الحارث، وقد كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبته على نفسي، وجئتك يا رسول الله أستعينك على كتابتي.
فقال صلى الله عليه وسلم: "أو خيرٌ من ذلك"؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟
قال: "أدفع عنك كتابتك وأتزوجُك" قالت: قد فعلتُ، فما هو أن تزوجها حتى قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا، فبادروا فأطلقوا سراح السبايا كلهن.