الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاح صيحة شديدة، أفزعت من حوله من اليهود فلم يبق حصنٌ إلا أوقد النار -أي استيقظ من نومه- وفي الصباح علمت بمصرع طاغيتها كعب بن الأشرف فدب الرعب في قلوبهم العنيدة {جَزَاءً وِفَاقًا (26)} {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .
وهكذا يفعل الله بكل من مكر بالإِسلام والمسلمين، قال تعالى:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
عباد الله! هذا عذابهم في الدنيا، قتلٌ، خزيٌ، فضيحة، أما في الآخرة فالعذاب الأليم قال تعالى:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)} ، وقال تعالى:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}
ليعلم الجميع أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.
العنصر الثالث: اليهود يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولى الأبصار
.
عباد الله! بعد غزوة بدرٍ الكبرى أرسل كفار مكة كتاباً إلى اليهود في
المدينة يهددونهم بكذا وكذا إذا لم يقتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فلما وصل الكتاب إلى اليهود في المدينة، أجمعت بنو النضير على الغدر ونسوا ما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق.
فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج لنا في ثلاثين من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبراً؛ حتى نلتقي بمكان المنصف؛ فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك؛ آمنا بك- وهم بذلك يريدوا أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه- {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)} [آل عمران: 54].
فأخبر اللهُ عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام بما مكر به يهود بني النضير.
فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتائب الجيش المسلم، فلما رأوا الجيوش قد زحفت إليهم فروا هاربين إلى حصونهم، وكانت حصونهم منيعة، فأغلقوا أبوابهم، وتحصنوا بها، وحاصرهم النبي- صلى الله عليه وسلم ليالي وهموا بالتسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن زعيم المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول أرسل إليهم أن امتنعوا وتحصنوا ولا تنزلوا من حصونكم، فإنَّا مِن ورائكم، نمنعكم مما يضركم، لئن قوتلتم لننصرنكم، ولئن أُخرجتم لنخرجن معكم، فصدّقوهم، وأرسل يهود بني النضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولوا: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل وتحريقها، فدبَّ الخوف في نفوسهم وملأ الرعبُ قلوبهم، وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على أن لهم ما حملت الإبلُ إلا السلاح، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على عرضهم هذا.
فجعل الرجل يهدم بيته بيده! ويحملُ الأبواب والشبابيك معه، وخرجوا من المدينة، فمنهم من نزل خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.
قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)} [النمل: 50 - 52].
عباد الله! ونزلت سورة الحشر في بني النضير، فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه "قال: قلت لابن عباس سورة الحشر؟ فقال: لا تقل سورة الحشر، قل:
سورة بني النضير" (1).
عباد الله! وفي سورة الحشر
أولاً: بدأها الله بالتسبيح وختمها بالتسبيح، قال تعالى:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)} ، وقال تعالى:{يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} .
ثانياً: بين الله في هذه السورة كيف ينتقم من أعدائه، وكيف أنه سبحانه جاء لبني النضير من باب لا يخطر لهم على بال.
دب الرعب في قلوبهم، والرعبُ سلاح رباني ينصر الله به عباده.
ثالثاً: أثنى الله في هذه السورة على المهاجرين والأنصار ومن سلك سبيلهم قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 8 - 9].
رابعاً: فضح الله المنافقين الذين أظهروا الإِسلام وأبطنوا الكفر قال تعالى:
(1) رواه البخاري (رقم 4029).